للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا يتضح لنا عظم أمر النية.

وقَدْ يَنْشغل الإنسان بذهنه عمَّا نوى إليه كعادة سائر البشر، فيسرح في الصلاة؛ وهذا لا يؤثر على النية، لا سيما إذا استصحب ونوى ألَّا يقطعها بأيِّ قاطعٍ أو شاغلٍ.

وَسَببُ تلك الشَّواغل عن الصلاة إنما يأتي من ضعف الخشوع، وهذا نابعٌ من عدم حضور القلب؛ فكلما كان قلب المؤمن مطمئنًّا خاشعًا، وبالله مرتبطًا عما سواه؛ كان القلب أحضر، والجوارح أخشع؛ لذلك قال عمر: "لو خشع قلبه، لخشعت جوارحه" (١)، ومع ذلك عمر نفسه لم يسلم؛ لأنه بشرٌ - رضي الله عنه -؛ فيُذكَر أنه "جهَّز الجيش وهو في الصلاة" (٢).

فالذي كان يشغل فكره عنايتُه بأمر المسلمين، واهتمامُه بشُؤُونهم، وَسَعيُه - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة إلى ما فيه رِفْعَة المُسْلمين وَعزهم ومَجْدهم.

وهناك أمورٌ لا تحتاج إلى نيةٍ؛ كالإيمان بالله تعالى؛ لأن هذا أمر تصديق، فقد صدَّق العبد وآمَنَ وانتهى الأمر؛ فلا يحتاج إلى إيمانٍ في وقتٍ دون وقت، ومما يدخل فيما لا نية فيه عند بعض العلماء قراءة القرآن، وكذلك بعض المعاملات كالزواج؛ فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "النكاح سُنَّتي، فمَنْ رَغب عن سُنَّتي فليس مني" (٣)، أما لو نوَى بالزواج تكثير


= قال: "فإذا قدم النية ولم يشتغل بعمل يقطع نيته يجزئه، كذا رُوِيَ عن أبي يُوسُف ومحمد، فإن محمدًا ذكر في كتاب المناسك أن مَنْ خرج من بيته يريد الحج فأحرم، ولم تحضره نية الحج عند الإحرام يجزئه".
(١) الذي وَقَفتُ عليه أنه من قول ابن المسيب، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٢/ ٢٦٦)، عن أبان قال: رأى ابن المسيب رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: "إني لأرى هذا لو خشع قلبه خشعت جوارحه". قال الأَلْبَانيُّ: الحديث موضوع مرفوعًا، ضعيف موقوفًا، وهو معروف عن ابن المسيب. انظر: "السلسلة الضعيفة" (١١٠).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>