للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يفهم من كلام المؤلف: أن الإنسان لو قرأ آية أو آيات في الركوع أو في السجود بطلت صلاته، وليس ذلك هو المقصود، فالذين يقولون بذلك قصدهم الكراهة (١)، والقصد ألا يقرأ الإنسان في ركوعه أو سجوده قراءة مرتبة مقصودة، لكن أن يأتي بآيات الدعاء فهذا أمر وارد.

وسيأتي في حديث عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- وهو حديث صحيح-: أنه لما نزل قول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)} قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوها في ركوعكم" ولما نزل قوله تبارك وتعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} قال: "اجْعَلُوها فِي سُجُودِكُمْ" (٢).

وسنجد أيضًا أن أدعية السجود بعضها مقتبس من آيات أو جزء من آية.

والحكمة من كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود: أن الركوع وضع لغاية والسجود كذلك، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ (٣) أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ" (٤).

وقال: "وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (٥).

وينبغي لنا التنبيه على مسألة مهمة متعلقة بما نحن بصدد الحديث عنه: وهي كون الركوع فيه انحناء الإنسان، فقد كان قائمًا في صلاته ثم ينحني، وهذا الانحناء إنما فيه خضوع وخنوع (٦) وذل للخالق تبارك


(١) سبق.
(٢) أخرجه أبو داود (٨٦٩)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود - الأم" (١٥٢).
(٣) قَمِن، أي: جدير. انظر: "العين"، للخليل (٥/ ١٨١).
(٤) أخرجه مسلم (٤٧٩/ ٢٠٧) عن ابن عباس.
(٥) أخرجه مسلم (٤٨٢/ ٢١٥) عن أبي هريرة.
(٦) أي: ذل وخضوع. يقال: خنع الرجل يخنع خنوعًا وخناعة، إذا ذل وأعطى الحق من نفسه. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (١/ ٦١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>