للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموقف" (١)؛ وذلك لأن موقف الجهاد ينبغي للإنسان أن يُظهر فيه القوة أمام الأعداء.

ومعنى الحديث: أن هذه المشية التي فيها خيلاء واعتزاز بالنفس إنما هي مشية مكروهة، لكنها في هذا الموقف غير مكروهة لأن فيها إظهار عزة وقوة المسلمين.

وكذلك عندما قدم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة قال المشركون: "قدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، فأمر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه -رضي اللَّه عنهم- أن يرملوا في الطواف"، وذلك حتى يظهروا لهم القوة (٢).

إذن؛ على الإنسان أن يخفض جناحه (٣) للمؤمنين، ويعطف عليهم ويكرمهم، فيرحم الصغير ويحترم الكبير؛ ولذلك الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا والأكناف الذين يألفون ولا يأنفون" (٤)،


(١) أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (٧/ ١٠٤)، وفيه: أن أبا دجانة يوم أحد أعلم بعصابة حمراء، فنظر إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مختال في مشيته بين الصفين، فقال: "إنها مشية يبغضها اللَّه إلا في هذا الموضع".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه". انظر: "مجمع الزوائد" (٦/ ١٠٩).
(٢) أخرجه البخاري (٤٢٥٦)، واللفظ له، ومسلم (٢٦٦١/ ٢٤٠) عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد وهنهم حمى يثرب، وأمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يامرهم، أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم" قال أبو عبد اللَّه: وزاد ابن سلمة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعامه الذي استأمن، قال: "ارملوا" ليرى المشركون قوتهم، والمشركون من قبل قعيقعان.
(٣) خفض الجناح: لين الجانب. انظر: "تهذيب اللغة"، للأزهري (٤/ ٩٤).
(٤) أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (١/ ٣٦٢) عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف". وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٧٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>