للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: "من تواضع للَّه رفعه" (١)، فالتواضع مطلوب، لكن التواضع غير الخنوع والذل.

والإنسان عندما يخضع في ركوعه ويذل في سجوده إنما هو يخضع للحي القيوم فالق الحب والنوى، وهذا فيه عزة ورفعة للمؤمن؛ ولذلك نجد أن العبادات تختلف أحوالها باختلاف الإخلاص، فقد تجد إنسانًا يصلي يطيل صلاته فيطيل القيام والركوع والسجود، لكن صلاته خالطها الرياء، فما فعل ذلك إلا ليُري الناس أنه رجل يحسن صلاته، وقد تجد إنسانًا آخر يصلي صلاة معتدلة ولا يرائي أحدًا، وإنما يخشى الحي القيوم، وهذه هي الصلاة المطلوبة.

ويظهر جليًّا خضوع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأدعية المأثورة عنه في الصلاة.

وقد أخرج مسلم في "صحيحه" (٢) وغيره (٣) من حديث علي -رضي اللَّه عنه-: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قامٍ إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للَّه رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، ثم إذا ركع يقول في ركوعه: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت"، ثم يقول: "خشع لك بصري وسمعي ومخي وعظمي وعصبي" وهذا غاية في الذل.

ثم بعد ذلك إذا رفع رأسه من الركوع يقول: "ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد" والدعاء هنا ورد بألفاظ متعددة، فإذا ما سجد أيضًا يقول: "سبحان ربي الأعلى"، ثم: "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره. . . " إلى آخر الحديث.


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٤٦) عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تواضع للَّه رفعه اللَّه". وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٣٢٨).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه أبو داود (٧٦٠)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود - الأم" (٧٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>