للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمؤلف يريد أن يوضح أنه ليس معنى هذا أن كل ما ثبت وجوبه بنص صحيح صريح في الصلاة ينبغي أن يلحق به غيره، فالقراءة وجوبهما متأكد ومتعين لكن ليس لنا أن نلحق بها التشهد، فكل كلامه يدور حول القياس.

أما عن المختار من التشهد:

* قوله: (وَأَمَّا المُخْتَارُ مِنَ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّ مَالِكًا رحمه اللَّه اخْتَارَ تَشَهُّدَ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ عَلَى المِنْبَرِ) (١).

لو نضرب مثالًا تمهيديًا لهذه المسألة نقول: إن في علم القراءات هناك قراءات مختلفة تُعرف بالقراءات السبع، أو القراءات العشر، فمثلًا قوله تعالى: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٦٨]، "والعنهم لعنًا كثيرًا" (٢). فلكل قراءةٍ توجيه يعرفه الذين درسوا هذا العلم (٣).

وكذلك نجد أيضًا أحكامًا في الصلاة ورد فيها دليلان مختلفان، فقد ورد مثلًا في رفع اليدين أنهما يرفعان إلى المنكبين وهذا رأي جمهور العلماء، والحنفية يرون أنه يرفعهما إلى الأذنين، وكل ذلك صحيح.

وقول الجمهور: بأنه إذا كبر يرفع يديه إلى منكبيه، ولو رفعهما إلى الأذنين فلا يقولون بأنه أخطأ ولا أنه خالف السنة، لكن يرون أن تلك الأحاديث أقوى وأشهر فقدموها، وخالفهم الحنفية فقدموا غير أدلة الجمهور، وهناك أمثلة كثيرة جدًّا على ذلك، فقال العلماء بجواز هذا وجواز ذاك (٤).


(١) سبق.
(٢) قرأ عاصم وحده: {لَعْنًا كَبِيرًا} بالباء، وقرأ الباقون (كثيرًا) بالثاء. انظر: "معاني القراءات"، للأزهري (٢/ ٢٨٦).
(٣) قال أبو علي الفارسي: "الكبر مثل العظم، والكبر وصف للَّعن بالكبر، كالعظم، والكثرة أشبه بالمعنى، لأنَّهم يلعنون مرَّة، وقد جاء: يلعنهم اللَّه ويلعنهم اللاعنون؛ فالكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر". انظر: "الحجة للقراء السبعة" (٥/ ٤٨١).
(٤) سبقت هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>