للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- ولا أنكر على من يأخذ بغير ذلك؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- علم أصحابه -رضي اللَّه عنهم- هذا وذاك" (١).

ولذلك لما قيل له: "نقل عن إسحاق بن راهويه أنه يقول: من لم يقل بتشهد عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- بطلت صلاته، فأنكر الإمام أحمد ذلك وقال: لا أقول به لأن هذه صفات علمها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه" (٢).

وهكذا شأن أهل الحديث الذين أعطاهم اللَّه سبحانه وتعالى بسطة (٣) في العلم وفقهًا في الدين، فليس حقيقة الفقه كما يتصور البعض أنه مجرد قراءة للحديث ثم إصدار للحكم، فأمتال هؤلاء الأئمة كانوا فقهاء ومحدثين، وقد أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الدين من كل نواحيه عقيدة وحديثًا وفقهًا، وكانوا يربطون بين العلوم؛ لأن علوم الشريعة لا ينفصل بعضها عن بعض، فهي بمثابة شجرة لها أصل؛ أصلها كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم الأغصان التي تتفرع عنها إنما هي علوم أُخرى.

وأصل العلوم: علم العقيدة وتوحيد اللَّه سبحانه وتعالى الذي التقت حوله دعوة الرسل جميعًا، قال اللَّه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، ثم تأتي بعد ذلك العلوم الشرعية المعروفة من فقه وحديث وغيرها، فهي تتغذى من هذا الأصل -كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ وسنة رسوله-، والإسلام بني على خمس؛ أولها شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ومتى ما فسد هذا الركن فإن بقية الأعمال تفسد.


(١) سبق.
(٢) الذي وقفت عليه أنه قاله فيمن ترك الصلاة على النبي في التشهد.
انظر: "المغني"، لابن قدامة (١/ ٣٨٨)، وفيه قال: "قال المروذي: قيل لأبي عبد اللَّه: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلًا ترك الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في التشهد بطلت صلاته. قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال في موضع: هذا شذوذ. وهذا يدل على أنه لم يوجبها".
(٣) البَسْطةُ: الفضيلة على غيرك. انظر: "العين"، للخليل (٧/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>