للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل مَن حدَّث يُصدَّق، كما قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "لست بالخِب (١) ولا الخب يخدعني" (٢).

ويُذكر ذلك عند قول اللَّه تعالى في ذِكر المكر: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠].

وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، قويًّا ذكيًّا، لا ضعيفًا، وهذا لا يتنافى مع حسن الظن بالمؤمنين، فقد قال اللَّه تعالى: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: ٦]، وهذا في كل شيء.

إذًا، علينا أن نقتدي بالخليفة الراشد عمر، ومع ذلك كان يقول: "إذا بلغني مبلغًا حملته على تسعة وتسعين حسن وواحد سيئ" (٣)، لكنه في


= الكذب، وإنما جاء ضعفه واختلاطه أنه حدث من حفظه بعد احتراق كتبه، واختلاطه هذا ينسب لهذه العلة أكثر مما ينسب لذهاب عقله وتغيره قبل موته، وإن كان قد وقع له هذا أيضًا قبل موته كما قال أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار. . ورواية العبادلة عنه كابن المبارك وابن وهب صحيحة وأعدل من رواية الآخرين، وقد أنصفه الحاكم بقوله: "لم يقصد الكذب إنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ".
(١) الخِبُّ: الرَّجل الخدَّاع الجُرْبُزُ، تقول منه: خَبِبْتَ يا رجُل تَخَبُّ خِبًّا، مثال: عَلِمْت تعلم عِلمًا، وقد خَبَّبَ غلامي فلانٌ" أي خدعه. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ١١٧ - ١١٨).
(٢) لم أقف عليه من قول عمر، وإنما أخرجه ابن عساكر، في "تاريخ دمشق" (١٠/ ١٩)، والمزي في "تهذيب الكمال" (٣/ ٤١٨) من قول إياس بن معاوية بلفظ "لست بخِبٍّ، والخِبُّ لا يخدعني، ولا يخدع ابنَ سيرين، ويخدع الحَسَن، ويخدع أبا معاوية بن قرة، ويخدع عُمَرَ بْن عَبْد العزيز"، وهذا لفظ وكيع.
وقد اشتهر نسبة الأثر عن عمر ولعل ذلك لوقوعه في كتب شيخَي الإسلام: ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٥/ ٢٦٥)، وابن القيم في "إعلام الموقعين"، معزوةً له، وكذلك نسبها ابن عبد ربه لعمر في ثلاثة مواضع من "العقد الفريد". (١/ ٤٣) (٢/ ١٠٥) (٥/ ٢٣). ولكن أخرج الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (١/ ٣٢٧) قال: قال أبو عبد الرحمن: "أخبرت أن المغيرة بن شعبة ذكر عمر بن الخطاب فقال: كان واللَّه أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع".
(٣) لم أقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>