للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن داود يُعمِّم، لكنه -كما ذكر ابن عبد البر- قال: لم يقل لأحد هؤلاء الذين يقولون بالوجوب؛ فالمسلم عنده لو لم يرفع يديه بَطلت صلاته (١).

فهم لا يقولون ببطلان الصلاة، لكن يؤكدون عليها؛ فالمسلم -بحمد اللَّه- لا تلحقه مشقة، كما قال اللَّه سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، فنحن مطالبون بأنْ نستجيب لأوامر اللَّه وأوامر رسوله، ومُطالَبون أيضًا بأن نقتدي بمنهج رسول اللَّه -عليه أفضل الصلاة والسلام- القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (٢)، فكما رفع يديه في مواضع؛ فما أحسَن أن نرفع أيدينا فيها.

أمَّا دعوة أن ذلك لم يرد في حديث المسيء (٣)، فكثير من أحكام الصلاة لم ترد فيه كذلك، فلو وقفنا عند هذا الحديث؛ لعطَّلنا كثيرًا مِن أحكام الصلاة، وقد سبق أن أقمنا حُجَّةً على الحنفية في قولهم بعدم وجوب التشهد؛ لأنهم يرون وجوب الجلوس بقدر التشهد، وهذا مِمَّا لم يَرِد في حديث المسيء، كما أقمنا الحُجة أيضًا علَى المالكية؛ لأنهم قالوا بوجوب التسليم، والتسليم ليس موجودًا في حديث المسيء، وليس معنى هذا أن يُنسَب لإمام رأيٌ، ويكون رأيه مرجوحًا ويخالفه غيره، فهذا الإمام يكون قد تغيَّر، فهو له وجهة نظر، وقد يكون له دليل، وقد يكون دليل غيره أقوى منه، فهذه مسائل طويلة جدًّا، وهناك من كتب فيها.


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١/ ٤١١) قال أبو عمر: "كل من رأى الرفع وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع إلا الحميدي وبعض أصحاب داود".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (٧٥٧) ومسلم (٣٩٧) عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل، فصلى، فسلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرد وقال: "ارجع فصل، فإنك لم تصل"، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ارجع فصل، فإنك لم تصل" ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها".

<<  <  ج: ص:  >  >>