للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمحل الخلاف عن الأصوليين هو أن أفعال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تُحمل على الوجوب أم لَا (١)؟

* قوله: (وَمِنْهمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الأصْلَ أَنْ لَا يُزَادَ فِيمَا صَحَّ بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ مِنْ قَوْلٍ ثَابِتٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مِنْ قَوْلِنَا، وَلَا مَعْنَى لِتَكْرِيرِ الشَّيْءِ الوَاحِدِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ).


(١) يُنظر: "قواطع الأدلة" للسمعاني (١/ ٣٠٣ - ٣٠٤) حيث قال: "أفعاله على ثلاثة أضرب: أحدها: حركاته التي تدور عليها هواجس النفوس كتصرف الأعضاء وحركات الجسد فلا يتعلَّق بذلك أمر باتباع ولا نهي عن مخالفة. والضرب الثاني: أفعاله التي لا تتعلق بالعبادات كأحواله في مأكله ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته فيدل فعل ذلك على الإباحة دون الوجوب. وأما الضرب الثالث: ما اختص بالديانات وهو على ثلاثة أضرب؛ أحدها: ما يكون بيانًا. والثاني: ما يكون تنفيذًا وامتثالًا. والثالث: ما يكون ابتداء شرع؛ فأما البيان فحكمه مأخوذ من المبين فإن كان المبين واجبًا كان البيان واجبًا وإن كان ندبًا كان البيان ندبًا ويُعرف أنه بيان بأن يصرح بأنه بيان كذلك ولعلم في القرآن أنها مجملة تفتقر إلى البيان ولم يظهر بيانها بالقول فنعلم أن هذا الفعل بيان لها، والثاني أن يفعل امتثالًا وتنفيذًا له، فيعتبر أيضًا بالأمر وإن كان الأمر على الوجوب علمنا أنه فعل واجبًا وإن كان الفعل على الندب علمنا أنه فعل ندبًا.
والثالث: أن يعمل ابتداء من غير سبب ولم يوجد منه في ذلك أمر باتباع ولا نهي عنه فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة مذاهب وكذلك سائر الفقهاء والمتكلمين وهذا الاختلاف فيما يرجع إلى حقوق الأمة:
المذهب الأول: أن اتباعه في هذه الأفعال واجب على الأمة إلا ما خصه ذلك وهذا مذهب مالك والحسن وبه قال من أصحاب الشافعي أبو العباس بن سريج والإصطخري وأبو علي بن أبي هريرة وأبو علي بن خيران وهذا هو الأشبه بمذهب الشافعي رحمة اللَّه عليه وبهذا قال من أصحاب أبي حنيقة أبو الحسن الكرخي وهو قول طائفة من المتكلمين.
والمذهب الثاني: المستحب للأمة اتباعه في هذه الأفعال ويندب إلى ذلك ولا يجب وهو قول الأكثر من أصحاب أبي حنيفة وهو قول أكثر أهل المعتزلة وبه قال من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيرفي وأبو بكر القفال.
والمذهب الثالث: أن الأمر في ذلك على الوقف حتى يقوم دليل على ما أريد منا في ذلك وإلى هذا ذهب أكثر الأشاعرة واختاره من أصحاب الشافعي أبو بكر الدقاق وأبو القاسم بن كج.

<<  <  ج: ص:  >  >>