للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى أمور الآخرة؛ فاتجه إلى اللَّه -سبحانه وتعالى-، لذلك تجد أن الإنسان خاشع في صلاته.

كذلك قالوا إن هذا القبض على هذه الهيئة من هيئات الصلاة فيها زيادة من التذلل والخضوع، وزيادة في الانقياد والطاعة للَّه سبحانه وتعالى.

ولذلك عندما ترى المصلي مرخيًا يديه، وترى آخر قابضًا يديه؛ تشعر القابض يظهر عليه الخشوع والخشية أكثر من ذلك.

إذًا، هذه الهيئة علَّل العلماء وبينوا الحكمة منها، فلا شك أن القبض كما بينَّا فيه فوائد عدة، والتي منها ما أشرنا إليه.

* قوله: (فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الفَرْضِ، وَأَجَازَهُ فِي النَّفْلِ) (١).

تعلمون أن بعض العلماء يعلل أن الإمام مالكًا إنما ترك ذلك لأَلَمِ كان في يديه (٢)، ويذكرون عادة عللًا في ذلك، فالإمام مالك رحمه اللَّه مَا ترك ذلك -كما يذكر بعضهم عنه- اختيارًا، وإنما لسببٍ، والإنسان كما


(١) يُنظر: "المدونة" لمالك (١/ ١٦٩) حيث قال: "وقال مالك -في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة- قال: لا أعرف ذلك في الفريضة -وكان يكرهه- ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه".
(٢) يُنظر: "حلية الأولياء" لأبي نعيم (٦/ ٣١٦) حيث قال: "ضرب جعفرُ بن سليمان مالكَ بن أنس في طلاق المكره، وحكى لي بعض أصحاب ابن وهب، عن ابن وهب أن مالكًا لما ضُرب حلق وحمل على بعير فقيل له: ناد على نفسك، قال: فقال: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشيء قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدركوه أنزلوه".
ولا أعلم أن المالكية استندوا على هذه القصة في قولهم بإسدال اليدين في الصلاة، وإنما استندوا على قول ابن القاسم في "المدونة" (١/ ١٦٩) قال: "وقال مالك -في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة-؛ قال: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه". ولا يمكن -في نظرنا- أن يستندوا على إسدال اليدين بقصة الضرب لو ثبتت لأن إسداله ليديه حينئذ يكون لضرورة المرض وعدم القدرة، وهذه الضرورة لا تلغى بها السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>