للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعلم عندما يترك أمرًا لسببٍ لا يمكن أن يحمل هذا، وأن يلزم بمثل ذلك الأمر؛ ولذلك سيأتي في الإقعاء أن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- كان يجلس؛ لأن الإقعاء له جلستان: الجلسة المعروفة عند الفقهاء، والجلسة المعروفة عند أهل اللغة (١)؛ ولذلك سنرى أنَّ المؤلف ربما يُنبه على أنَّ العبادلة كانوا يفعلون ذلك، وإذا أطلقنا العبادلة؛ فَيُراد بهم الخمسة.

وقال ابن عمر: "لا تقتدوا بي فإني كبرت" (٢).

إذًا، عبد اللَّه بن عمر كان يجلس جلسة الإقعاء، لكنه قال: "لا تقتدوا بي لأني كبرت"؛ فكان مضطرًّا؛ ولهذا عندما يكبر الإنسان يتغير حاله.

وسبق وبيَّنا أن العلل التي ذكرها العلماء في التفريق بين الجلسة الأولى في التشهد الأول والجلسة الثانية في التشهد الآخر، سبب افتراشه -عليه الصلاة والسلام-، وسبب التورك في الثاني، حيث قالوا: لأنه في الأول التشهد قليل لا يطول، ولأن جلسة المفترش تكون أقرب إلى القيام وأهيأ له، فلا تلحق الإنسان مشقة عندما يقوم، وخاصة إذا كان في سن متقدمة، أما الجلوس متوركًا فالتشهد الأخير يطول، وفيه راحة أكثر؛ فالإنسان أيضًا يأخذ الدعاء بكل راحة.

* قوله: (وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الفِعْلَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُمُ الجُمْهُورُ) (٣).

هذا قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم.


(١) الإقعاء: أقعى الكلب، إذا جلس على إسته مفترشًا رجليه وناصبًا يديه، والمنهي عنه في الصلاة هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. وهذا تفسير الفقهاء، فأما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره. انظر: "الصحاح" للجوهري (٦/ ٢٤٦٥).
(٢) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (٣/ ٣٦٠) عن ابن عمر؛ أنه كان يقعي في الصلاة وقال لبنيه: "لا تقتدوا بي في الإقعاء؛ فإني إنما فعلت هذا حين كبرت".
(٣) تقدَّم قولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>