للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذًا، ليس معنى هذا أن صحة الأقوال وترجيحها تُبنَى على الكثرة، هذا في الغالب، فنعم غالبًا ما نجد أن قول الجمهور هو الراجح، لكن هناك مسائل كثيرة في أي مذهب من المذاهب، نجد أن كثيرًا من الآراء أو عددًا من الآراء نجد أن الإمام أبا حنيفة انفرد بها، وأنها الراجحة، وأُخرى انفرد بها الإمام مالك وهي أرجح، وثالثة أيضًا وقف عندها الإمام الشافعي وهي أرجح، ورابعة أخذ بها الإمام أحمد وقوله فيها وإن انفرد به فهو أرجح من غيره؛ فعلى هذا، كل ما نريد أن نصل إليه ألَّا نجعل ترجيح الأقوال مبنيًّا على كثرة القائلين به، فلا يلزم من صحة القول كثرته، إنما متى يكون القول راجحًا بصحة دليله، فالقول الراجح هو الذي تدعمه أدلة الكتاب وتعضده أدلة السنة الصحيحة الصريحة.

ولذلك نرى أن الشافعي يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" (١).

ومَن يعرف هذا المذهب يجد أن الشافعية أحيانًا ينسبون للإمام الشافعي ما لم يقل؛ لأنهم قالوا إنه وضع قاعدة في ذلك "إذا صح الحديث فهو مذهبي"؛ أي: إنه يقول به.

إذًا، ينبغي أن يكون هذا هو قول الإمام الشافعي، وهو حقيقة رأي جميع الأئمة؛ فكلهم -رحمهم اللَّه تعالى- وغيرهم يبغي الوصول إلى الحق، ولا يريد غيره أبدًا، ولا نظن أن بعض الأئمة يُقدِّم الرأي على الحديث؛ فهذا أمر لم يصح، ولذلك نجد أن أبا حنيفة لما سُئل فيما جاء عن اللَّه؟ قال: "إذا جاء الأمر عن اللَّه؛ فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن رسوله؛ فعلى العين والرأس، وإذا اتفق الصحابة على قول؛ أخذناه، وإذا اختلفوا؛ اخترنا من أقوالهم، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن


(١) يُنظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٠/ ٣٥) حيث قال: "ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط". وللإمام تقي الدين السبكي رسالة تناول فيها كلمة الشافعي هذه بالشرح والبيان، وما يجب أن تحمل عليه وتقيد به سماها "معنى قول المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي".

<<  <  ج: ص:  >  >>