للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذهبوا إلى أن السجود جائز للإنسان أن يتقي الحر فيه بطرف شماغه أو ثوبه أو يده.

وسبب الخلاف هنا: أنه ورد في ذلك عدة أحاديث.

فالذين يذهبون إلى عدم الجواز، وهم الشافعية، ذهبوا إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يسجد على طرف العمامة، أو على كُمه، أو على طرف ثوبه.

دليلهم: فإنهم يستدلون بحديث خبَّاب بن الأرت، قال: "شكونا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شدة الحر فلم يشكنا (١) " (٢)، أي: لم يقبل شكوانا ولم يأخذ بها، لكن هذا مطلق، لأنه قد جاء حديث أنس المتفق عليه، وأصله في "صحيح مسلم" (٣) حيث ذكر فيه أنهم كانوا يصلون مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في شدة الحر، فكان يضع أحدهم طرف ثوبه ويسجد عليه.

إذًا، هذا نصٌّ في هذه المسألة، قال: "كنا نصلي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانوا يتقون الحرارة بأنهم يبسطون أطراف ثيابهم فيسجد عليها" (٤)؛ فلا شك أن مذهب الجمهور في هذا هو الأظهر، وإن كان الأصل أن الإنسان لا ينبغي أن يسجد على شيء، لكن لو احتاج إليه فليفعل ولا حرج، لكن لو سجد على طرف ثوبٍ أو عمامة أو غير ذلك، فهذا لا يبطل صلاته، إن لم تكن هناك حاجة، وهذا هو الصحيح.

* قوله: (وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي المَذْهَبِ).

مذهب مالك وغير مالك، وهنا يريد المؤلف أن يقول إن هذه


(١) فلم يشكنا: أي لم يجبهم إلى ذلك، ولم يُزِل شكواهم. يقال: أشكيت الرجل إذا أزلت شكواه، وإذا حملته على الشكوى. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٤٩٧).
(٢) أخرجه مسلم (٦١٩) عن خباب، قال: "شكونا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة في الرمضاء، فلم يشكنا".
(٣) انظر التخريج الذي بعده.
(٤) أخرجه البخاري (٣٨٥) ومسلم (٦٢٠) من حديث أنس بن مالك، قال: "كنا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود".

<<  <  ج: ص:  >  >>