ليجعلوا أحكام هذا الدين واضحةً جليَّةً لا لبس فيها، ولا غموض، وقد نبَّهنا من قبل إلى أن الفقه الإسلامي اشتمل على مميزات كثيرة، منها: الشمول، فهو يتَّسع لكل ما جَدَّ وَوَقع، وفيه الحل لكل مشكلة، والجواب عن كل معضلة مهما تعدَّدت المسائل وتنوعت الوقائع، فإذا لم يكن ثمة نصّ في كتاب الله - عز وجل -، ولا في سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهناك طرقٌ أُخرى من طُرُق الاستدلال؛ كالقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، وسدِّ الذرائع، وغير ذلك من الأمور التي يذكرها العلماء في أصول الفقه.
قال المؤلف:"اتفق العلماء"، وهذا كلامٌ فيه ضعفٌ في نظري؛ لأنَّ العلماء أجمعوا على أن مسحَ الرأس فرضٌ من فُرُوض الوضوء، فهَذَا محلُّ إجماعِ في الواقع، وليس محل اتفاق؛ لأن الاتفاق درجته أضعف من الإجماَع، لكنَّ المسألة مجمعٌ عليها، والآية اشتملت على فرائض أربعة، قال الله - عز وجل - {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة: ٦]، فهَذِهِ الأمور الأربعة مجمعٌ عليها من حَيْث الجُمْلة، لكن الخلاف بين الفقهاء في بعض الجزئيات؛ كاختلافهم في البياض الَّذي بين العذار في الوجه، وفي تخليل اللحية، وفيما انسدل من اللحية، واختلافهم بالنسبة لليدين في إدخال المرافق وغيرها.