للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواية للشافعية، وإن كان المتأخرون مِن الشافعية يُصَحِّحُونَ الرواية الأخرى، وهي أنها فرض كفاية، بحيث لو قام بها جماعة سقط عن البقية.

أما في حال وجوبها، لو تركها أهل قرية، أو كذلك مدينة، أو بدو مجتمِعُون -أيْ غير رحل، وغير مسافرين- فإنهم يُقاتَلُون عليها.

* قوله: (أَوْ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ).

أما مَن يرَوْا أنها فرض كفاية فيختلفون، وأكثرهم يروا أن يُقاتَلوا عليها، وبعضهم لا يرى هذا (١).

ومَن يرون أنها سُنة وشعيرة ينبغي إظهارها، يقولون لو أصَرَّ النَّاسُ علَى تركها؛ لَقُوتِلُوا عليها؛ ولذلك كان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يغزُوَا قومًا انتظر، فإن سمِعَ الأذان توقف، وإن لم يسمع غار عليهم (٢)؛ فمن هنا نأخذ دليلًا.

وهذا يبيِّن لنا أهمية صلاة الجماعة، وأن اللَّه -سبحانه وتعالى- لم يُسْقِطهَا حتى في حالة الخوف، حيث قال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: ١٠٢].

فهذا الموقف هو موقف التخفيف، ولو كان هناك موضع تخفَّف فيه صلاة الجماعة؛ لما كان هناك موقف أحوج إلى التخفيف من هذا الموقف! فها هم كانوا يرون العدو أمامهم، ويرونه رأي العين يتربص بهم الدوائر، ومع ذلك نجد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه صلوا الصلاة جماعةً، ومع ذلك حصل إخلال في أركانها وشروطها وواجباتها، لكن لم تسقط الجماعة. . بل تجاوز عما حصل من إخلال فيها، فذلك أمر يدل على عظم


(١) يُنظر: "البناية شرح الهداية" للعيني (٢/ ٣٢٦) حيث قال: "وذكر محمد رحمه اللَّه أن أهل بلد لو اجتمعوا على ترك الجماعة نضربهم ونقاتلهم".
(٢) أخرجه البخاري (٢٩٤٣) عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا غزا قومًا لم يُغر حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار بعدما يصبح، فنزلنا خيبر ليلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>