للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزل الطاعون في مكانٍ ما، فذهب عمر إلى بلاد الشام يستشير الصحابة، فأول ما بدأ بكبار المهاجرين، ثم الأنصار، إلى أن ورَدَ إليه الحديث، فلما قال له الصحابة: "كيف أنت تفر من القدر؟ "، قال: "نفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه" (١).

فتأمل في فَهْم الصحابة، حيث كان لهم فهم وتأمُّل وفقه، ومع ذلك استشاروا غيرهم، وأخذ بعضهم ما عند بعض.

وكان من الصحابة الذين يستشيرهم عمر -رضي اللَّه عنه- علي ومعاذ -رضي اللَّه عنهما-؛ فلما أراد أن يرسل معاذًا إلى الشام، أشار إلى أنه كان بحاجة إليه، وأنه بحاجة أن يبقى عنده في المدينة، لكنه آثر حاجة تلك البلاد البعيدة، وهكذا كان أيضًا شأن الصحابة الذبن كانوا يرسلهم وتفرقوا في الأمصار (٢).

إذًا، الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إذا كانوا يختلفون في بعض المسائل، وفاتتهم


(١) أخرجه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩) عن عبد اللَّه بن عباس "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، خرج إلى الشأم، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد؛ أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لى المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا،. . .، ثم قال: ادعوا لي الأنصار. . . فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لى من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر اللَّه؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه،. . ." الحديث.
(٢) أخرجه أبن سعد في "الطبقات" (٢/ ٣٥٦) عن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعنّي يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم، فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم اللَّه بثلاثة منكم، إن أجبتم فاستهموا،. . ." الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>