للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجواب ثالث: أنَّه ثَبَتَ عن الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه فَاضَلَ بين الصحابة في العلم، فالصحابة -رضي اللَّه عنهم- لهم من المكانةِ ما ليس لغيرهم، فلهم من المزايا ومن المحاسن ما يَختصون به عن غيرهم، ولو لم يكن لهم في ذلك إلَّا أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى رضي عنهم في كتابه، وزكَّاهم رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأثنى عليهم، وبَيَّنَ أنَّه لو أنفق أحدُنا مِثْلَ أُحُدٍ ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَه (١)، وأنَّهم جاهدوا في اللَّه حَقَّ جهاده، وأنَّهم أدركوا رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخذوا العلم عنه صافيًا نقيًّا لم تَشُوبه أي شائبة، ولم يخالطه أي إشكالٍ أو شبهة، فأخذوا ذلك من مِشكاةِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم الذين جالسوه، وتربوا في مدرسته، وجاهدوا معه وبعده، لكنَّهم مع ذلك كغيرهم يختلفون في درجات العِلم، فليسوا على درجة واحدة، لذلك نجد أنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَقْرَأُكم أُبَيٌّ، وأَقْضَاكم عَلِيٌّ، وأَعْلَمُكم بالحلال والحرام مُعاذٌ، وأفرضُكم زيدُ بن ثابت" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٣٦٧٣)، واللفظ له، ومسلم (٢٥٤١/ ٢٢٢) عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم، ولا نَصِيفه".
قال أبو عبيد: "قوله: (مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه) يقول: لو أنفق أحدكم ما في الأرض ما بلغ مثل مُدِّ يتصدق به أحدهم، أو ينفقه، ولا مثل نصفه". انظر: "غريب الحديث"، للقاسم بن سلام (٢/ ١٦٤).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٧٩١)، وغيره، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرحم أُمَّتي بأمتي أبو بكر، وأَشَدُّهم في أمر اللَّه عمر، وأصدُقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب اللَّه أُبَي بن كعب، وأفرضُهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام مُعاذ بن جبل، ألا وإن لكل أُمَّة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". وقال: "حسن صحيح"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٢٢٤).
أما ذِكر علي -رضي اللَّه عنه-، فقد أخرجه ابن ماجه (١٥٤)، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين اللَّه عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب اللَّه أُبَي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، قال الأرناؤوط: "إسناده صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>