للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا بيَّنَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ أقرأ الصحابة كان أُبَيًّا، ولذلك لمَّا تَردَّدَ في آيةٍ وهو في الصلاةِ قال: "أين أبَيٌّ؟ أَلَمْ يكن في القوم؟ ". يريد أن يَفتح عليه (١).

فقد سأل عن أُبَيٍّ، ولم يسأل عن غيره، فتبيَّنَّا من هذا أنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد رَتَّبهم، وليس معنى هذا أنَّ الصحابةَ لا يُدركون القرآن، ولكنَّهم على مراحل.

قوله: "أقرأُكم" وهم قُرَّاء، إذًا بهذا نتبين أنَّ الأولى هو تقديم الأقرأ، ولكن لا نأتي بإنسانٍ يَحفظ القرآن ويُجوِّده، ولا يَعرف شيئًا من أحكام الصلاة فلا نُقدمه، إنَّما نقدمه إذا كان يعرف أحكام الصلاة، وهو أقرأ من غيره ممن هو أكثر فقهًا منه، فهذا يُقدَّم، وهذا من شروطِ الكمالِ، فلو قُدِّم الأقرأ مع وجود الأفقه فالصلاة صحيحة، لكن الكلام هنا فيما هو الأفضل.

والعلماء رحمهم اللَّه كما ذكرنا عندما يختلفون في أمرٍ من الأمور، وربما يَظن البعضُ أنَّهم لماذا يختلفون في بعض الأحاديث التي نرى وضوحها وبيانها، وهذا يقوله مَن لم يُدرك غور (٢) الأئمة رحمهم اللَّه، فالأئمة أقوالهم لها غور؛ يعني: فيها عُمق، تحتاج إلى مَن يدركها، فمن يدرك أقوال الأئمة، ويَسبر غورها، يعرف لماذا يختلف الأئمة، والأئمة بَشر، وليسوا مُحيطين بالعلم، وإذا كان أصحابُ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما ذكرنا قد فات بعضُهم أشياء، فَمِن باب أولى أن يَفوت مَن بعدهم.

إذًا العلمُ ليس محصورًا في فردٍ، ولا شكَّ أنَّ الأئمةَ من العلماءِ الأفذاذِ الذين شُهِد لهم بذلك، والذين تركوا لنا تَركة عظيمة، تزخر بها


(١) أخرجه أبو داود (٩٠٧) عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى صلاةً فقرأ فيها فَلُبسَ عليه، فلمَّا انصرف قال لأُبي: "أَصَلَّيْتَ معنا؟ ". قال: نعم، قال: "فما منعَك؟ "، وزاد ابنُ حبان (٦/ ١٤): "فما منعك أن تفتحها عليَّ"، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٢٢٣٩).
(٢) غور كل شيء: قَعره. انظر: "الصحاح"، للجوهري (٢/ ٧٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>