للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبتدع يدعو، وهناك مِن أهل الفسق مَن يُعرفون بأهل البدع وأهل الأهواء، والذين يرتكبون بعض المحرمات (١).

وقد يكون الفسق -أيضًا- يتعلَّق بأمر من أمور العقيدة، ومنهم من ينتسب إلى الإسلام، وقد ألحدوا في أسماء اللَّه وصفاته (٢)، وهناك مَن


(١) وجه تفريق العلماء بين الذي يدعو إلى بدعته ممن لا يدعو إليها: هو أن الذي يدعو إليها يكون قد أُشربها في قلبه؛ فيظهر بسببها الموالاة والمعاداة، بخلاف مَن لم يدعُ إليها.
قال الشاطبي: "والفرق بينهما -واللَّه أعلم- أحد أمرين: إما أن يقال: إن الذي أشربها من شأنه أن يدعو إلى بدعته فيظهر بسببها الموالاة والمعاداة، والذي لم يُشربها لا يدعو إليها أو لا ينتصب للدعاء إليها، ووجه ذلك: أن الأول لم يدع إليها إلا وهي قد بلغت من قلبه مبلغًا عظيمًا بحيث يطرح ما سواها في جنبها، حتى صار ذا بصيرة فيها لا ينثني عنها، وقد أعمت بصره، وأصمت سمعه، واستولت على كليته، وهي غاية المحبة.
أما مَن لم يبلغ ذلك المبلغ فإنما هي عنده بمنزلة مسألة علمية حصلها، ونكتة اهتدى إليها، فهي مدخرة في خزانة حفظه يحكم بها على مَن وأفق أو خالف. وإما أن يقال: إنَّ مَن أشربها ناصب عليها بالدعوة المقترنة بالخروج عن الجماعة والسَّواد الأعظم، وهي الخاصية التي ظهرت في الخوارج وسائر مَن كان على رأيهم". انظر: "الاعتصام" (٣/ ٢٢٦، ٢٢٧).
(٢) الملحد معناه في كلام العرب: الجائر عن الحق، ومنه قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، أي: يجورون في أسمائه. انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس"، لابن الأنباري (١/ ١٤٣).
وقد ذكر ابنُ القَيِّم صور الإلحاد، فقال: "والإلحاد في أسمائه تعالى أنواع، أحدها: أن يُسمَّى الأصنام بها؛ كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وهذا إلحاد حفيقة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى له أبًا.
وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه، ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنه فقير. . .
ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول مَن يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني، فيُطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلًا وشرعًا ولغة وفطرة. . . ". انظر: "بداع الفوائد" (١/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>