للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}؛ فَقُولُوا: آمِينَ" (١). فَأَمَّا الحَدِيثُ الأَوَّلُ: فَهُوَ نَصٌّ فِي تَأْمِينِ الإِمَامِ. وَأَمَّا الحَدِيثُ الثَّانِي: فَيُسْتَدَلُّ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُؤَمِّنُ لَمَا أُمِرَ المَأْمُومُ بِالتَّأْمِينِ عِنْدَ الكِتَابِ قَبْلَ أَنْ يُؤَمِّنَ الإِمَامُ؛ لِأَنَّ الإِمَامَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ" (٢). إِلَّا أَنْ يُخَصَّ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ الإِمَامِ: (أَعْنِي: أَنْ يَكُونَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ)، فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الإِمَامِ فِي التَّأْمِينِ، وَيَكُونُ إِنَّمَا تَضَمَّنَ حُكْمَ المَأْمُومِ فَقَطْ (٣). ولَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَالِكًا ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٨٧) عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧]، فقولوا: آمين؛ فإنه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه". وأخرجه البخاري عن مالك (٧٨٢)، وأخرجه مسلم (٤١٠/ ٧٦) من طريق آخر.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) قصد المؤلف من هذا الكلام: أن المأموم أُمِر بالتأمين بمجرد فراغ الإمام من الفاتحة، كما في الحديث، وهذا التامين من المأموم قد يكون قبل الإمام أو معه، هذا لو سلم بأن الإمام يؤمن، فإذا كان ذلك كذلك، فإن المأموم المأمور بمتابعة إمامه سوف يتقدمه في التأمين، وهذا لا يجوز، فدل ذلك على أن الإمام غير مأمور بالتأمين وإنما المأمور به المأموم فقط.
قال القاضي عبد الوهاب في ذكر الروايتين وتوجيههما: "وفي الإمام روايتان: إحداهما لا يُؤَمِّن، وهي الظاهر، والأخرى: أنه يُؤمن، فوجه الأولى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين"، فلو كان التأمين من سنُتَّه، لقال: إذا قال: آمين فقولوا، ولأن الإمام داع والمأموم مستمع؛ لأن هذا هو سبيل الدعاء أن يكون المؤمن غير الداعي. ووجه الثانية قوله: "إذا أَمَّنَ الإمام فأَمِّنُوا"، ولأنه ذِكرٌ سُنَّ للمأموم، فكان مسنونًا للإمام كسائر الأذكار المسنونة، ولأنه فصلٌ، فاستحب له التأمين كالمنفرد والمأموم". انظر: "المعونة على مذهب عالم المدينة" (ص: ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>