للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ يكون السَّامِعِ هُوَ المُؤَمِّنَ لَا الدَّاعِيَ (١). وَذَهَبَ الجُمْهُورُ لِتَرْجِيحِ الحَدِيثِ الأوَّلِ لِكَوْنِهِ نَصًّا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الإِمَامِ، وَإِنَّمَا الخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَدِيثِ الآخَرِ فِي مَوْضِعِ تَأْمِينِ المَأْمُومِ فَقَطْ لَا فِي هَلْ يُؤَمِّنُ الإِمَامُ أَوْ لَا يُؤَمِّنُ؛ فَتَأَمَّلْ هَذَا (٢). وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُتَأَوَّلَ الحَدِيثُ الأَوَّلُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "فَإِذَا أَمَّنَ فَأَمِّنُوا"، أَيْ: فإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ (٣). وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ التَّأْمِينَ هُوَ الدُّعَاءُ. وَهَذَا عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ لِشَيْءٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ مِنَ الحَدِيثِ إِلَّا بِقِيَاسٍ، أَعْنِي: أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِ: "فَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ


(١) يقصد ترجيحه عدم تأمين الإمام، وهي الرواية الأظهر عنه، كما سبق.
(٢) أي: أن الجمهور الذين قالوا بتأمين الإمام لحديث: "إذا أمن الإمام فأمنوا"، ذهبوا فِي تأويل حديث المخالف من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين"، بأن المقصود منه: تحديد موضع تأمين الإمام، متى يُؤمن، وليس المقصود به منع الإمام من التأمين.
قال ابن قدامة في توجيه دليل المالكية: وحديثهم: لا حجة لهم فيه، وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم، وهو عقيب قول الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ}؛ لأنه موضع تأمين الإمام؛ ليكون تأمين الإمام والمأمومين في وقت واحد موافقًا لتأمين الملائكة، وقد جاء هذا مصرحًا به، كما قلنا، وهو ما روي عن الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ}. فقولوا: آمين؛ فإن الملائكة تقول: آمين. والإمام يقول: آمين. فمَن وافق تأمينُه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في اللفظ الآخر: "إذا أَمَّن الإمام"، يعني: إذا شرع في التأمين".
(٣) وهذا التأويل هو ما ذهب إليه المالكية في الرد على الجمهور بتأويل حديث: "فإذا أَمَّن الإمام فأمنوا".
يُنظر: "القبس في شرح الموطأ"، لابن العربي (ص: ٢٣٦)، وفيه قال: "قوله: "إذا أمَّنَ الإمامُ"، الحديث. قيل: معنى قوله: "إذا أَمَّن": إذا بلغ موضع التأمين؛ كقولهم: أحرم: إذا بلغ موضع الحرم. وأنجد: إذا بلغ موضع العلو، وذلك كقوله: "إِذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين"؛ ليجتمع الحديثان".

<<  <  ج: ص:  >  >>