للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ، وَالمَنْعُ مَشْهُورٌ عَنْ عَلِيٍّ (١)، وَالجَوَازُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَشْهُورٌ (٢). وَأَمَّا مَوْضِعُ الإِمَامِ فَإِنَّ قَوْمًا أَجَازُوا أَنْ يَكُونَ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ المَأْمُومِينَ، وَقَوْمٌ مَنَعُوا ذَلِكَ، وَقَوْمٌ اسْتَحَبُّوا مِنْ ذَلِكَ اليَسِيرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ (٣). وَسَبَبُ الخِلَافِ فِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ؛ أَحَدُهُمَا:


(١) الذي جاء عن علي -رضي اللَّه عنه- هو القول بالجواز. فقد أخرجه الدارقطني في "سننه" (٢/ ٢٥٥) وغيره، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي أراه، عن علي، قال: "إذا استطعمكم الإمام فأطعموه"، وصححه الألباني في أثناء كلامه، وقال له طرق يقوي بعضها بعضا. أنظر: "ضعيف أبي داود - الأم" (١٦١).
قال الماوردي في معنى الحديث: "معناه: إذا ارتج على الإمام فَلَقِّنوه". انظر: "الحاوي الكبير" (٢/ ٤٤٤).
أما المنع: فجاء عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أخرجه أبو داود (٩٠٨)، بإسناده، عن الحارث، عن علي، -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عليُّ، لا تفتح على الإمام في الصلاة". قال أبو داود: "أبو إسحاق لم يسمع من الحارث، إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها".
قال الألباني: "هذا إسناد ضعيف؛ للانقطاع الذي ذكره المصنف. والحارث: هو ابن عبد اللَّه الأعور، لا يُحتج به، كما قال البيهقي، والحديث منكر؛ لمخالفته أثرًا عن عليٍّ، وبعض الأحاديث المرفوعة". انظر: "ضعيف أبي داود - الأم" (١٦١).
(٢) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (٢/ ١٤٣)، عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع قال: "كنت ألقن ابن عمر في الصلاة فلا يقول شيئًا".
(٣) مذهب المالكية المنع مطلقًا سواء كان في تعليم أو غيره إلا ما كان من الارتفاع اليسير فيجوز. ووافقهم الأحناف والحنابلة. أما الشافعية فمذهبهم -أيضًا- المنع، لكن خالفوا الجمهور في أنهم استثنوا من المنع الحاجة؛ كتعليم الإمام للمأمومين ونحوه فقالوا بالاستحباب في هذه الحالة.
انظر في مذهب المالكية: "التهذيب في اختصار المدونة"، للبراذعي (١/ ٢٤٨، ٢٤٩)، وفيه قال: "ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما يُصَلِّي عليه أصحابه، فإن فعل أعادوا أبدًا؛ لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فتجزئهم الصلاة". وانظر: "مواهب الجليل"، للحطاب (٢/ ١١٨).
وفي مذهب الأحناف. انظر: "البنااية شرح الهداية"، للعيني (٢/ ٤٥٢)، وفيه قال: " (ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان)، ش: وقد ذكرنا أن المراد من الدكان الموضع، والموضع مبتنى يجلس عليه مثل الدكة. . . ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عليه، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط =

<<  <  ج: ص:  >  >>