للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية عند البخاري: "فإنَّ تسوية الصف من إقامة الصلاة" (١)، وفي ذلك إشارة إلى قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣]، [النساء: ٧٧]، [يونس: ٨٧]، [النور: ٥٦]، [الروم: ٣١]، [المزمل: ٢٠].

إذًا، فإنَّ تسوية الصف من إقامة الصلاة هو إشارة إلى ما في الآية: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البينة: ٥]، أي: أُمروا ليعبدوا اللَّه، وأُمروا ليقيموا الصلاة.

إذًا هذا حضٌّ من الرَّسُول عليه الصلاة والسلام على تسوية الصفوف؛ لذلك كان يُسَوِّيها عليه الصلاة والسلام، فكان يتفقد الصفوف (٢).

ومن هنا ذكر العلماء تعاون المأمومين من باب الأمر بالمعروف، ومن باب التعاون على التقوى، وهذا لا يقتصر على الإمام وحده، وإنَّما ينبغي في حقِّ كل مأموم إن رأى مُتقدمًا أو متأخرًا ينبغي أن يُنبهه إلى ذلك (٣).

وتسوية الصفوف لا تقتصر فقط على إقامتها، وإنَّما -أيضًا- إتمام الصف الأول فالأول؛ لأنَّ الرَّسُول قد أرشد إلى ذلك (٤).

وكذلك تسوية الصفوف عن خَلل، أي: فراغات بين الصفوف، لذلك كان الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رصُّوا صُفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيدِه، إني لأرى الشيطان يَدخل من خلل الصف، كأنَّها


(١) سبقت.
(٢) أخرج مسلم (٤٣٦/ ١٢٨)، عن النعمان بن بشير، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسوي صفوفنا، حتى كأنَّما يُسَوِّي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا فقام، حتى كاد يكبر فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف، فقال: "عِباد اللَّه، لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم"".
(٣) وقد جاء عن السلف كما سبق أنَّهم كانوا يبعثون رجالًا يكلفونهم بتسوية الصفوف، فكان عمر يبعث رجلًا يُقَوِّم الصفوف، ثم لا يكبر حتى يأتيه، فيخبره أن الصفوف قد اعتدلت. وثبت هذا -أيضًا- عن عثمان.
(٤) سبق هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>