للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنصٍّ آخر مع اختلافهما في الحكم، المعروف قياسًا أن يلحق مسكوتًا عنه بمنطوق به في حكم يجمع بينهما، والقياس: هو إلحاق أصل بفرع في حكم؛ لعلة تجمع بينهما، هذا اختلاف بين العلماء في تعريف القياس.

لكن أن تلحق ما نُص عليه على ما نص عليه مع اختلاف الحكم أيضًا، فهذا أمر مردود وغير صحيح.

فهذا كمن يقيس الربا على البيع؛ فاللَّه سبحانه قد نص على ذلك في كتابه فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]؛ نص اللَّه على تحريمه، وجاءت سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتُبين حقيقة الربا، وتبين الممنوع، أنواع الربا، وتحذر من ذلك (١). فلا يقاس بعد ذلك الربا على البيع، لأنَّ هذا معاملة، وهذا معاملة.

وجه الرد: أنَّ صلاة المرأة جاء النَّص عليها في حديث أنس: "فصففتُ أنا واليتيم خلفه، والعجوز مِن ورائنا" (٢).

إذًا هذا حضر في صلاة أَمَّ الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، وجعل موقفها خلف النَّاسِ منفردًا، ولو جاء إليها غيرها من النساء ينضمون إليها؛ أي: يلحقن بها، وأمَّا إذا انفردت فتصلي، وصلاتها صحيحة؛ لورود النص في ذلك.

والجواب الثاني عن الإمام: أنَّهم قاسوا من يُصلي خلف الصف بمن يُصلي أمام الصف، وقصدوا الإمام بذلك.

والجواب: أنَّ الإمام ورد فيه النَّص، فهذا هو الموقف الذي حدده الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- للإمام الذي وقف فيه، وأنَّه أمام الصفوف، إذًا هذا منطوق به، فلا ينبغي أن نُلحق ممنوعًا ورد النص بمنعه، فموقف الإمام أمام


(١) من ذلك ما أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٧/ ١٥٨)، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرِّبا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجل أُمَّه، وأربى الربا: استطالة الرجل في عِرض أخيه"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٨٧١).
(٢) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>