للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس هو السنة، وموقف المرأة خلف الرجال هي السنة، فكيف نقيس أمرًا منهيًّا عنه بأمرٍ وردت الأدلة بإثبات سُنِّيَّته، هذه من الأدلة التي قال بها هؤلاء.

وأمَّا الاستدلال بحديث أبي بَكرة: فالحقيقة أنَّ حديث أبي بكرة لا حجة فيه؛ لأنَّ الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "زادك اللَّهُ حرصًا ولا تَعُدْ"، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُبين في هذا المقام أنَّه لو بقي الإنسان خارج الصف فإنَّ صلاته صحيحة (١).

إذًا بهذا نتبين أنَّ الأمر ليس من الأمور السَّهلة.

وأمَّا دعوة أنَّ النفي نفي كمال؛ فهذا غير صحيح؛ لأنَّ الأمر ليس نفي الكمال.

ومن العلل التي يستدلون بها، يقولون: مما يدل على صحة الصلاة، أنَّه لو كانت صلاة الواحد خلف الصف غير جائزة لما وقف رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينتظر الرجل، وإنَّما أعلمه من أول الأمر بقول: "انصرف من صلاتك" (٢).

والجواب: أنَّه ما عُرف عن الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- التَّسرع في هذه الأمور، إذًا كون الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- وقف عنده، فهذا دليل على بطلان الصلاة، لا على صحتها؛ لأنَّه لو كانت صلاته صحيحة لنبه الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الأَوْلَى، لكنَّه


(١) قال ابن قدامة في الجواب على حديث بكرة، وقياسهم موقف المنفرد على موقف المرأة: "فأما حديث أبي بكرة، فإنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهاه فقال: "لا تَعُدْ"، والنهي يقتضي الفساد، وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو، ولا يلزم من كونه موقفًا للمرأة كونه موقفًا للرجل، بدليل اختلافهما في كراهية الوقوف واستحبابه". انظر: "المغني" (٢/ ١٥٥).
وقال -أيضًا- في حديث أبي بكرة: "فإن قيل: إنما نهاه عن التهاون والتخلف عن الصلاة. قلنا: إنما يعود النهي إلى المذكور، والمذكور الركوع دون الصف، ولم يَنسبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى التهاون، وإنما نسبه إلى الحرص، ودعا له بالزيادة فيه، فكيف ينهاه عن التهاون، وهو منسوب إلى ضده؟! ". انظر: "المغني" (٢/ ١٧٣).
(٢) سبق ذكر هذا من كلام النووي رحمه اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>