للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالسًا وهم قيام، ومعلوم أن ذلك كان منه في آخر حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعُلِمَ أن الآخر من فعلِهِ ناسخ للأول، وممن ذهب إلى هذا الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

والمشهور عن مالك أنه لا يؤم القيام أحدٌ جالسًا، فإن أَمَّهم قاعدًا بطلت صلاتُهُ وصلاتهم؛ لِأنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يؤمنَّ أحَدٌ بعدي قاعدًا". قال: فإن كان الإمام عليلًا، تمَّت صلاة الإمام، وفسدَت صلاةُ مَنْ خَلْفه. قال: ومَنْ صلَّى قاعدًا من غير عِلَّةٍ، أعادَ الصَّلاة.

* قوله: (وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: تَعَارُضُ الآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَمُعَارَضَةُ العَمَلِ لِلْآثَارِ، أَعْنِي: عَمَلَ أَهْلِ المَدِينَةِ عِنْدَ مَالِكٍ).

عمل أهل المدينة: هو عدم جواز إمامة القاعد (١).

* قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ، أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا" (٢)، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى وَهُوَ شَاكٍ جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَن اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا" (٣). وَالحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيه، فَأَتَى المَسْجِدَ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) قال القاضي عياض: "قيل: نُسِخَتْ إمامةُ القاعد جملةً بقوله: "لا يَؤُمَّنَّ أحَدٌ بعدي قاعدًا"، وبفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤمَّ أحدٌ منهم قاعدًا، وإنْ كَانَ النسخ لا يمكن بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمُثَابرتُهُمْ على ذلك يشهد بصحة نَهْيه عن إمامة القاعد بعده، وتُقَوِّي لِينَ ذلك الحديث". انظر: "إكمال المُعْلم بفوائد مسلم" (٢/ ٣١٢).
(٢) وهو في "الصَّحيحَين"، وقد تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (٦٨٨)، ومسلم (٤١٢/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>