للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينتقل المؤلف هاهنا إلى مسألة مهمّة جدًّا - وإن لم يوردها مفصلة، كغيره من الكتب - والخِلاف فيها يسير لأن العلماء كادوا أن يجمعوا على أن مسح الأذنين مستحق، لكن عندما تُدقِّق المسألة فقد نُورِدُ إشكالًا على المالكية والحنابلة؛ فهم قالوا بوجوب تعميم مسح الرأس، وهم يرون - ومعهم الحنفية - أن الأذنين من الرأس، فقياس المذهب أن يكون الواجب مسحهما، لكن بالرجوع إلى أقوالهم في كتب الفروع لا تجد أحدًا قال بذلك، بل إن كل الروايات التي رويت عن الإمام أحمد قد اتفقت على أن المتوضئ لو ترك مسح أذنيه فإنه يُجزئه وضوؤه (١)، وكذلك عند المالكية، وإن حاول بعض المالكية كما ذكر المؤلف أن يجعلوا ذلك رأيًا للإمام مالك، نعم هي أقوالٌ أو روايات لبعض العلماء لكنها ليست قوية في المذهبين، لكن الذي نَقل عنه ذلك - فيما أعلم - هو إسحاق بن راهويه، فقد نقل عنه أنه قال: من ترك مسح أذنيه عامدًا لم تصح طهارته (٢). وهناك


= الفقهاء، وتأوِّلوا الخبَر في المسح على العمامة على معنى: أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس، فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته من رأسه، ولا ينقضها، وجعلوا خبَر المغيرة بن شعبة كالمفسر له، وهو أنه وصف وضوءه، ثم قال: "ومسح بناصيته، وعلى عمامته"، فَوَصل مسح الناصية بالعمامة، وإنما وَقَع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية؛ إِذْ هي جزءٌ من الرأس، وصارت العمامة تبعًا له؛ كما روي أنه مسح أسفل الخف وأعلاه، ثمَّ كان الواجب في ذلك مسح أعلاه، وَصَار مسح أسفله كالتبع له، والأصل أن الله تعالى فرض مسح الرأس، وحديث ثوبان محتمل للتأويل، فلا يترك الأصل المتيقن وجوبُهُ بالحديث المحتمل".
(١) يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (١/ ١٦٢)؛ حيث قال: "إذا قلنا يجزئ مسح بعض الرأس: لم يكف مسح الأذنين عنه على المشهور من المذهب، قال في الفروع: ولا يكفي أذنيه في الأشهر، قال الزركشي: واتفق الجمهور أنه لا يجزئ مسح الأذنين عن ذلك البعض. وللقاضي في شرحه الصغير وجه بالإجزاء. قال في الرعاية: وهو بعيد. قال ابن تميم: وقطع غيره بعدم الإجزاء. وقال الشيخ تقي الدين: يجوز الاقتصار على البياض الذي فوق الأذنين دون الشعر، إذا قلنا يجزئ مسح بعض الرأس".
(٢) "المجموع شرح المهذب" (١/ ٤١٦)، وفي "التمهيد" لابن عبد البَر (٤/ ٣٧)، قال: "إنْ تَرَك مسح أذنيه عامدًا، لم يجزه".

<<  <  ج: ص:  >  >>