للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنقول: لو تعارف الناس في قُراهم على بناء نوع معين؛ كأن يكونوا تعارفوا في بعض مبانيهم أن يقيموها من القصب، أو الخشب، أو الجريد، أو جذوع النخل (١)، أو غير ذلك، فإنَّ هذا في الحقيقة يعتبر بناءً قد اصطلحوا وتعارفوا عليه، وتجب على هذا النوع الجمعة (٢). وكلنا يذكر


(١) جذع النخلة، وهو غصنها. انظر: "العين"، للخليل (١/ ٢٢١).
(٢) ذهب الجمهور إلى جواز أداء الجمعة في أيِّ نوع من الأبنية مِن لَبِن أو آجر أو خشب، فكل ما كان في مقابل الخيمة من بناء جازت فيه الصلاة، أمَّا الخيم التي هي من ثياب أو صوف أو وبر أو شعر، فلا يجوز فيها الصلاة؛ لأنها من بناء أهل الترحال الذين يذهبون وراء القطر والعشب، ولا يستوطون.
انظر في مذهب المالكية: "شرح مختصر خليل"، للخرشي (٢/ ٧٣)، وفيه قال: "ولا فرق بين أن يستوطنوا بلدًا، أو أخصاصًا، والأخصاص: بيوت من قصب؛ لأنه يمكن الثوى فيها والاستغناء عن غيرهم بخلاف الخيم؛ لأنه لا يمكن فيها ما ذكر غالبًا، ولشبهها بالسفن لانتقالها بخلاف الأخصاص، وبعبارة أُخرى: المراد بالخص هنا: العرفي، أي: ما يُسمَّى في عرف الناس خُصًّا كان من قصب، أو خشب، أو بناء صغير، أو غير ذلك لا خصوص الخص اللغوي، فإنه ليس شرطًا، فالمراد بالأخصاص: ما قابل الخِيم، والمراد بالخيم: هنا الخيم العرفية، أي: ما يُسمَّى في عرف الناس خيمة كانت من ثياب، أو صوف، أو وَبر، أو شعر، أو غير ذلك لا خصوص الخيم اللغوية؛ لأنها ليست شرطًا".
وانظر في مذهب الشافعية: "فتح الوهاب"، لزكريا الأنصاري (١/ ٨٧)، وفيه قال: " (و) ثانيها أن تقع (بأبنية مجتمعة)، ولو بفضاء؛ لأنها لم تقم في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والخلفاء الراشدين إلا في موضع الإقامة، كما هو معلوم، وسواء أكانت الأبنية من حجر أو طين أو خشب أو غيرها، فلو انهدمت فأقام أهلها على العمارة لزمتهم الجمعة فيها؛ لأنها وطنهم، (فلا تصح من أهل خيام) بمحلهم؛ لأنهم على هيئة المستوفزين".
وانظر في مذهب الحنابلة: "مطالب أولي النهى"، للرحيباني (١/ ٧٦٣، ٧٦٤)، وفيه قال: " (بقرية) مبنية بما جرت العادة به من حَجر أو آجر أو لَبِن أو خشب أو غيرها، مقيمين بها صيفًا وشتاءً، وعلم منه أنه ليس من شروطها المصر، وأنها لا تصح من أهل الخرس ونحوها استقلالًا، وأما تبعًا فتَصح، بل تجب كما تقدم".
أما في مذهب الأحناف فلا يجوز عندهم هذه الأبنية كلها؛ لأن هذه الأبنية تكون في القرى، وقد سبق أنهم اشترطوا لصحة الجمعة أن تكون في الأمصار والمدائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>