للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتخطَّى رقاب الناس: "اجلس، فقد آذيت" (١). إذن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تكلَّم، وأيضًا في قصة الرجل الذي دخل المسجد والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: يا رسول اللَّه، هلك المال وجاع العيال، فادع اللَّه لنا، فرفع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه وذكر حديث الاستسقاء وقد نزل المطر (٢). إذن هذا رجل دخل والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب الناس يوم الجمعة.

إذن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تكلم، والرجل تكلم قالوا: فهذا دليل على جواز الكلام أثناء الخطبة، لأنه إذا لم يكن جائزًا لأنكر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك الأعرابي كلامه، لكنه لم يُنكِر عليه، فدلَّ على جوازه (٣).

وفي قصة الرجل الآخر الذي جاء والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب فقام فقال: يا رسول اللَّه، متى الساعة؟ فسكت عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردد ذلك ثلاث


(١) أخرجه أبو داود (١١١٨)، عن أبي الزاهرية، قال: كنا مع عبد اللَّه بن بسر صاحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال عبد اللَّه بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجلِسْ فقد آذيت". وصححه الألباني في: "صحيح أبي داود - الأم" (١٠٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٩٣٣)، واللفظ له، ومسلم (٨/ ٨٩٧)، عن أنس بن مالك، قال: أصابت الناس سَنَةٌ على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب في يوم جمعة قام أعرابي، فقال يا رسول اللَّه: هلك المال وجاع العيال، فادع اللَّه لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قَزَعَةً، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال. . . الحديث".
(٣) وهو قول الشافعية في الجديد ووجه عند الحنابلة. أما الأحناف والمالكية فقالوا بوجوب الإنصات. انظر في مذهب الشافعية: "فتح العزيز بشرح الوجيز"، للرافعي (٤/ ٥٨٧)، وفيه قال: "وقال في الجديد: الإنصات سنة والكلام ليس بحرام؛ لما روي "أن رجلًا دخل والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، فقال: متى الساعة فأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام". والاستدلال أنه لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت. . . ".
وانظر في مذهب الحنابلة: "مطالب أولي النهى"، للرحيباني (١/ ٧٨٩)، وفيه قال: " (و) حل كلام أيضًا (لمن كلمه) الخطيب (لمصلحة)؛ لحديث أنس. "وكلم -صلى اللَّه عليه وسلم- سليكًا وكلمه هو". ولأنه حال كلامه الإمام، وكلام الإمام إياه لا يشغل عن سماع الخطبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>