للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرات والناس يشيرون إليه أن يسكت، فلما فرغَ من الثالثة صرفه الرسول عليه الصلاة والسلام عمَّا سأل عنه إلى أمر أهمّ، إلى أمر يهمه ويحتاج إليه كل مؤمن في هذه الحياة، قال: "ويحك، ما أعددت لها؟ " فقال: أعددت لها حبَّ اللَّه وحب رسوله (١). وهذا يكفي إذا كان المؤمن صادقًا فيما يقول؛ لأن حبَّ اللَّه سبحانه وتعالى يقتضي أن تعمل بما أمرك اللَّه به، وأن تجتنب ما نهاك عنه، وأن تتقي اللَّه -سبحانه وتعالى-؛ ليجعل لك من أمرك مخرجًا، ويجعل لك من عسرك يُسرًا. وكذلك أيضًا فيما يتعلَّق بمحبَّةِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لذلك ردَّ عليه الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت". لكنها محبة صدق وإخلاص، لا محبَّة دعوى وافتراء. كم من أناس يدَّعون أنهم يحبُّون اللَّه، وأنهم يحبُّون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكنك تجد أعمالهم وأقوالهم تخالِفُ ما كان عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما أرشدَ ونبَّه ودعا إليه عليه الصلاة والسلام، أيضا نجد في جوامع الكلم في الرجل الآخر الذي قال: أوصني، قال: "لا تغضب" (٢) في كلمة واحدة، ربما نجد أنها كلمة يسيرة، لكن انظر ما يترتب على الغضب؛ لذلك جاء نهي القاضي أن يقضي وهو غاضب (٣)، والإنسان إذا غضب ربما يقع في كثير من المهالك، ولسانك حصانك إذا صنته صانك وإن أهنته أهانك (٤). فالإنسان في حالة الغضب قد لا يستطيع أن يمسك بزمام نفسه وأن يضع لها لِجامًا تقف عنده، ولذلك تزل قدمه فيقع في الخطأ ويندم، ولذلك فالإنسان إذا بدأ يساوره الغضب (٥)، فعليه أن يطرحه وأن يتجه إلى اللَّه سبحانه وتعالى بالذكر والطاعة، وبما جاء في علاج الغضب، إذن بهذا نتبين أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرج البخاري (٦١١٦)، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رجلًا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أوصني، قال: "لا تغضب" فردد مرارًا، قال: "لا تغضب".
(٣) أخرجه البخاري (٧١٥٨)، واللفظ له، ومسلم (١٧١٧/ ١٦)، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه، وكان بسجستان، بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان".
(٤) وهذه حكمة معناها أن اللسان كالفرس يشرد ويضيع إن لم يحكم صاحبه عنانه.
(٥) سَوْرَةُ الغضبِ: وُثُوبُه. انظر: "مختار الصحاح"، للزبيدي (ص: ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>