للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ثمرة له، ومنه لغو اليمين، وكذلك أيضًا الحديث الآخر: "ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت" (١).

لكننا نقول: حرص الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وتأكيده ذلك الأمر يدلُّ على وجوب الإنصات (٢)، وأما هذا الذي ذكره هؤلاء العلماء فجوابه أن نقول: إن الكلام لا ينبغي أثناء الخطبة، لكن يجوز للإمام أن يتكلم، ومن كلَّمَه الإمام فهذا مستثنًى؛ لأن النصوص نضَت على ذلك، إذن فالنصوص التي نهت عامة، ونستثني منها جواز الكلام بين الإمام ومن يكلمه، وقد رأينا أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرَّ ذلك ولم ينكره (٣).

والخلاصة: لا يجوز لمن حضر الخطبة أن يتكلم، بل يلزمه الإنصات، لكن للإمام أن يتكلم إن رأى خطأً وقع في الصلاة أثناء الخطبة، فأراد أن ينبِّه الناس، كأن يرى أُناسًا يتكلمون فينبههم ويأمرهم بالسكوت، أو رأى أن رجلًا دخل وتخطى رقاب الناس، فله أن ينبه، كما فعل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا رأى رجلًا دخل وجلس دون أن يصلي، فله أيضًا أن يرشده ليصلي، كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤).

إذن يجوز للإمام أو من يكلِّمه الإمام أن يتكلَّما، وهذا مستثنًى وإلا فلا. ولو أخذ الناس يتكلمون وانشغلوا بالكلام حقيقة في هذه الحالة لضاعت الفوائد وذهبت فائدة الخطبة، لأن الإنسان جاء ليستمع إلى الخطبة، ليخرج بفوائد وعبر وحكم وأحكام، لأن الخطبة بالإضافة إلى جانب الوعظ فيها نجد فيها جانب الأحكام والفوائد؛ فقد يعرض الخطيب


(١) تقدم؛ وهو من حديث أبي الدرداء وأبي بن كعب -رضي اللَّه عنهما-. وانظر المسألة في: "المجموع شرح المهذب"، للنووي (٤/ ٥٢٥).
(٢) سبق.
(٣) وهذا ما قالت به الحنابلة، وقد سبق.
(٤) سبق.
قال السمرقندي: " {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: على يقين وحقيقة. ويقال: على بيان أنا ومَن اتَّبعني، يعني: من اتبعني على ديني، فهو أيضًا على بصيرة". انظر: "بحر العلوم" (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>