إلى شيء من أسرار الشريعة الإسلامية، وقد يعرض إلى مشكلة كثير من الحاضرين في أشد الحاجة إلى معرفتها، فقد يكون الإنسان وقع في خطأ عن جهل وعدم علم، فيجد علاج ذلك في كلام الخطيب، إذن لا تخلو الخطبة من فوائد عظيمة ومتنوعة للعامي وطالب العلم على السواء؛ لأن الذكرى تنفع المؤمنين، فطالب العلم قد يغفل عن مسألة فيتذكرها ويستمع إليها في الخطبة، لأن عادة الخطيب أن يُعِدَّ الخطبة ويهيئ نفسه أنه سيخاطب جمهورًا من المسلمين، فلا ينبغي أن يأتي مرتجلًا دون أن يعد العدة، ولذلك من المعلوم أن مواضيع الإنشاء لا بد وأن نضع عناصرًا لها.
إذن على الخطيب أن يكون على معرفة بما يدعو الناسَ إليه، وأن يكون متحققًا من الوقائع والأحداث التي يعرضها للناس، لا مجرد أن يسمع شخصًا يقول: وقعت واقعة كذا فيأخذها مسلمة ثم يطرحها في جمع كهذا الجمع، وقد لا تكون صوابًا، إذن التحري أيضًا مطلوب، فاللَّه سبحانه وتعالى يقول في حقِّ نبيِّه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}[يوسف: ١٠٨]. إذن الخطيب داعية، والداعي لا بد أن يدعو على علم ومعرفة، وأن يكون حكيمًا في خطبته، فكم من كلمات اللَّه البينات، كم من كلمات تطرق قلوب الناس فتترك فيها أثرًا طيبًا، تنغرس فيها فلا تخرج!
وكم من كلمات فيها حماس لا تترك أثرًا في نفوس الناس، ولا شكَّ أيضًا أن الخطيب عندما يكون قدوة، بأن تكون أفعاله وفق أقواله، فإنه يترك أثرًا أكبر في الناس، وبذلك كان الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قدوة بأفعالهم قبل أن يكونوا قدوة بأقوالهم، فكم من أناس دخلوا في دين اللَّه لما كانوا يرون من صفات أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ من قول الصدق والتواضع والعدل بين الناس والرحمة والكرم، إلى غير ذلك من الصفات العظيمة التي كانوا يقتدون بها، ولذلك فتحوا قلوب الناس بالقرآن، وفتحوا البلاد بالقرآن قبل أن يفتحوها بالسيف والسلاح.
فلا شكَّ أن اختيار الموضوع وترتيبه والعناية به، واختيار ألفاظه، وصياغته في قوالب قوية حاملة للمعاني الجامعة المقتبسة مما كان عليه