للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل أسبوع؛ لأن يوم الجمعة إنما هو عيد الأسبوع (١)، فهذا الخطيب يخطب الناس ويذكرهم بأيَّام الآخرة، وما في الجنة من نعيمٍ مقيمٍ، ويحذِّرهم أيضًا من النار وما يوصّل إلى طريقها، ويبين لهم طريق الغواية (٢) ويحذرهم من سلوكه، وكذلك أيضًا يبيِّن لهم نتيجة مَن وقع في المعاصي وما في ذلك من المخاطر، كذلك أيضًا يبيِّن سعادة وفوز من اتبع رضوان اللَّه سبحانه وتعالى.

إذن هؤلاء العلماء يقولون: إنه اشتغال عن الخطبة، ولكننا نقول: ثبت عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أمر بعدم الجلوس حتى يؤدي الإنسان ركعتين، فينبغي له أن يؤدي ذلك، وكما أن هذا ذكر وموعظة، فالإنسان أيضًا في طاعة اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأنه يؤدي عبادة وإن لم تكن مفروضة، لكن فيها فضل عظيم، واللَّه سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه. . . إلخ" (٣).

إذن هنا عمل صالح، وهنا استماع إلى ذكر وموعظة ودروس، أرشد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ذلك، وهنا أيضًا عمل بتوجيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولذلك نبَّه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الإيجاز في هذه الصلاة؛ ليجمع المرء بين الحسنيين، والأَولى بالمسلمِ ألَّا ينتظر حتى يأتي الإمام -كما سيأتي في مسائل الرواح إلى الجمعة- بل ينبغي للمسلم أن يبادر في هذا اليوم العظيم، وألا ينتظر حتى يدخل الإمام، ويؤذن المؤذن، ثم يأتي؛ فاللَّه سبحانه وتعالى يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨، المائدة: ٤٨]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: ١٣٣]. ولا شكَّ أن المبادرة إلى الجمعة والإنصات إلى الإمام والعمل بما جاء عن


(١) ورد حديث بهذا المعنى، وقد سبق.
(٢) "الغواية": الضلال. انظر: "مجمل اللغة"، لابن فارس (ص: ٦٨٧).
(٣) جُزء من حديث أخرجه البخاري (٦٥٠٢)، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>