بعد الرأس، فلو كانتا من الوجه لمسحتا بعد الوجه مباشرةً أو معه، فهذا دليلٌ على أنَّ ذلك ليس منهما.
فائدتان:
١ - العلماء رحمهم الله يريدون الوصول إلى الحق، فكلٌّ له دليلٌ، وكلٌّ يرى أنَّ دليله هو الحق فيما ظهر له، ويرى أنَّ دليل غيره قد يَرِدُ إليه شيء، وأنَّ فيه ضعفًا، وأنَّ له تأويلًا عنده، ولذلك نجد أن أحدهم قد يكون على قولٍ يخالف فيه الأئمة كما في مسألة المسح على العمامة، فإن الإمام أحمد انفرد من بين الأئمة الأربعة، وأمَّا هنا في مسألة مَسْح الأُذُنين وَجَدناه الْتقَى مع الحنفية والمالكية فيما يتعلق بالأذنين، وأنَّهما من الرأس، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على إخلاص هؤلاء العلماء، ونشدانهم للصواب.
٢ - أن هذه المسألة مع صغرها سَتَرون أهميتها، وأهمية النقاش فيها، وفي عرض هذه الخلافات، تبيِّن أهمية الفقه الإسلامي، ورد دَعْوى مَنْ يقول بأنَّ هذه الخلافات والنقاشات الَّتي أفنى فيها الأئمة أعمارَهم وأوقا تَهم، وكتبوا، ودوَّنوا، ودرسوا، وعلَّموا؛ لا حاجة لها.
كيف ذلك؟ وهم الأئمة الأجلَّة الذين أَمْضَوا جميع حياتهم في خدمة هذا الدِّين، وهذه الاجتهادات الفقهية، وهذا النضح العقلي لم يصلوا إليه إلا بعد جَهْدٍ وطولِ زَمَانٍ.
لَا أَرَى مُوَازنةً فيما ذَكَره المؤلف، فالمسألةُ -كما قُلْتُ- مجمعٌ فيها على أن مسحَ الأُذُنين مُستحبٌّ، والأقوالُ التي وَرَدت في ذلك اعتبرها العلماء أقوالًا شاذةً؛ لأنه بالنظر إلى أصل الأئمة فالإجْمَاعُ قائمٌ. وقد قُلْتُ: من قياس مذهب الحنابلة والمالكية أن يُقَال بوجوب مَسْحهما على أساس أنهما من الرأس، لكن الواقع أنها تَكُون من الرأس تبعًا، وليس استقلالًا، ولذلك، فإنَّ كُلَّ الذين نَقَلوا مسائلَ الإمام أحمد، وذَكَروا ذلك عنه بمَسح الأذنين لم يَنْقُل أحدٌ منهم -رحمهمَ الله جميعًا- أنه قال