(١) يقصد المؤلف أن الذين قالوا بمنع صلاة النافلة لمن دخل المسجد في حال الخطبة قاسوا ذلك على حديثه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قلت لأخيك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت". وذلك لأنه يشغله عن الاستماع للخطبة، فقالوا وكذلك من دخل وصلى ركعتين فإنه ينشغل بهما عن الاستماع. فيقول المؤلف إذا ما صحت الزيادة من قوله: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين"، وجب المصير إليها ورد القياس. (٢) نفى الشارح كلامَ المؤلف من أن الأحناف والمالكية منعوا التنفل حال الخطبة بالقياس، وقال إنما منعوه بأدلة أُخرى، كأمره لمن تخطى الرقاب بالجلوس من غير أن يصلي وغيرها من الأدلة التي ذكرت، هكذا قال الشارح. لكن بالنظر نجد أن العلماء استدلوا بما قاله المؤلف من منع التنفل بالقياس. انظر في مذهب الأحناف: "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب"، لزكريا بن مسعود المنبجي (١/ ٣٠٣)، وفيه قال: "قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}، قيل نزلت في استماع الخطبة، فلو اشتغل بكلام أو صلاة ربما استمر فخطب وهو في صلاته أو حديثه فيفوته الإنصات أو الاستماع، وقد صحَّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت". فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المفروضان يحرمان في الخطبة، فصلاة النفل أولى، ولأنه لو دخل والإمام يصلي لا يركع، والخطبة شبيهة بالصلاة". وانظر في مذهب المالكية: "الفواكه الدواني"، للنفراوي (١/ ٢٦٦)، وفيه قال: "وخبر: "إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" نهي عن النهي عن المنكر مع وجوبه، فالمندوب أولى، وأما خبر سليك الغطفاني وأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- له بالركوع لما دخل المسجد وهو يخطب فيحتمل نسخه بنهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصلاة حينئذ كما في الخبر السابق، وعلى تقدير معارضته وعدم نسخه فحديثنا أولى كما قال ابن العربي لاتصاله بعمل أهل المدينة ولجريه على القياس من وجوب الاشتغال بالاستماع الواجب وترك التحية المندوبة".