للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأدلة التي استدلَّ بها هؤلاء العلماء أيضًا: الحديث الآخر المتفق عليه، أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم الجمعة فليغتسل أحدكم" (١)، "مَن جاء إلى الجمعة فليغتسل" (٢). قالوا: "فليغتسل" هذا أمر؛ لأنه مضارع اقترن بلام الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، قالوا: فهذا أيضًا دليل على الوجوب، الأول: جاء بلفظ الوجوب "واجب"، والثاني: جاء بصيغة الأمر؛ لأن من صيغ الأمر المضارع المقترن بلام الأمر "فليغتسل" (٣).

وكذلك أيضًا قد ثبت عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه أنه قال: "حق على كلِّ مسلم في كلِّ سبعةِ أيام أن يغتسل يومًا، يغسل جسده ورأسه" (٤). قالوا: فكلمة: "حق" بمعنى: ثابت، والثابت هو الواجب، هكذا قالوا (٥).

أما جمهور العلماء فقالوا: إن هذه الأدلة مصروفة عن الوجوب بأدلة أُخرى، ومنها ما يلي:


(١) أقرب لفظ هو ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٣/ ٢٥٨)، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة، ثم غدا إلى أول ساعة فله من الأجر مثل الجزور. . .
(٢) أخرجه البخاري (٨٩٤)، ومسلم (٨٤٤/ ٢)، عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل".
(٣) انظر: "المحلى بالآثار"، لابن حزم (١/ ٢٦٨)، وفيه قال: "أما قوله عليه السلام: "مَن جاء منكم الجمعة فليغتسل" فهو نصّ قولنا، وإنما فيه أمر لمن جاء الجمعة بالغسل، وليس فيه أي وقت يغتسل، لا بنص ولا بدليل، وإنما فيه بعض ما في الأحاديث الأخرى؛ لأن في هذا إيجاب الغسل على كل مَن جاء إلى الجمعة، فليس فيه إسقاط الغسل عمَّن لا يأتي الجمعة، وفي الأحاديث الأخر. . إيجاب الغسل على كل مسلم وعلى كل محتلم، فهي زائدة حكمًا على ما في حديث ابن عمر، فالأخذ بها واجب".
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) قال الشوكاني: "واستدل الأولون على وجوبه بالأحاديث التي أوردها المصنف -رحمه اللَّه تعالى- في هذا الباب، وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب، وفي بعضها الأمر به، وفي بعضها أنه حق على كل مسلم". وانظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين"، لابن الجوزي (٣/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>