للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتأخَّر، لكنه ذكر أنه انشغل في أمر جلل، وأنه لم ينتبه إلا وقد سمع النداء، فأراد أن يدرك الخطبة أو جزءًا منها، فلم يزد على أن انفتل إلى بيته (١)، أي: انقلب إليه فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم جاء ليسمع الخطبة ويؤدِّي الصلاة، فقال له عمر: والوضوء أيضًا والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا جاء أحدكم الجمعة فلْيغتسِلْ" فدلَّ ذلك على أنه ليس بواجب (٢).

فما الجوابُ إذن من حدِيثِ: "غُسلُ يومِ الجُمعةِ واجبٌ على كُلِّ محتلمٍ؟ ".

قال العلماءُ: الواجبُ واجبانِ؛ واجبٌ اختياريّ، وواجب إلزامي، فهناك أمر أو شيء يوجبه الإنسان على نفسه، وهناك أمر لازم يجب على الإنسان أن يؤدِّيَه، فالصلوات واجبة على كل إنسان بعينها، وصلاة الجماعة واجبة على من وجبت عليه (٣)، ويخصُّ ذلك من استثنى منها كالنِّساء والصغار الذين لم يبلغوا. وعلى خلاف أيضًا في العبيد (٤).


(١) يقال: انفتل فلان عن صلاته، أي: انصرف. انظر: "تهذيب اللغة"، للأزهري (١٤/ ٢٠٦).
(٢) قال ابن قدامة في ذكر أدلة الاستحباب: "وأيضًا فإنه إجماع، حيث قال عمر لعثمان: أية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت اليوم فلَمْ أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على الوضوء، فقال له عمر: والوضوء أيضًا وقد علمت "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمر بالغسل؟ "، ولو كان واجبًا لرده، ولم يَخْفَ على عثمان وعلى من حضر من الصحابة، وحديثهم محمول على تأكيد الندب، ولذلك ذكر في سياقه: "وسواك، وأن يمس طيبًا" كذلك رواه مسلم. والسواك، ومس الطيب، لا يجب، ولما ذكرنا من الأخبار". وانظر: "المبسوط"، للسرخسي (١/ ٨٩).
(٣) تقدَّم الكلام على عند قول المصنف معرفة حكم صلاة الجماعة.
(٤) اتفق الفقهاء على أن النساء والعبيد والصغار لا تجب عليهم الجماعة.
انظر في مذهب الأحناف: "بدائع الصنائع"، للكاساني (١/ ١٥٥)، وفيه قال: "وأما بيان من تجب عليه الجماعة: فالجماعة إنما تجب على الرجال، العاقلين، الأحرار، القادرين عليها من غير حرج فلا تجب على النساء، والصبيان، والمجانين، والعبيد. . . أما النساء فلأن خروجهن إلى الجماعات فتنة. وأما الصبيان والمجانين فلعدم أهلية وجوب الصلاة في حقهم. وأما العبيد فلرفع الضرر عن مواليهم بتعطيل منافعهم المستحقة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>