للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللَّه تبارك وتعالى يحبُّ أن يرى أثر نعمه على عبده (١). ولا يعارض هذا بحديث: "البذاذة من الإيمان" (٢)، أي: رثاثة الثياب (٣)، فليس معنى ذلك أن يأتي وثيابه وسخة، أو بها رائحة كريهة إنما يأتي متواضعًا، وهذا لا يمنع أن يأتي بملابس متواضعة نظيفة متطيبًا، وليس شرطًا أن يأتي بثياب جديدة، وإن كان يحسُنُ أن يأتي بمثل ذلك إذا لم يكن يشق عليه، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أوصى بالاستعداد لهذه الفريضة، الركن الثاني بعد الشهادتين (٤)، ففي هذا المكان سيناجي ربَّ الخلائق، فينبغي أن يكون على أحسن حال.

ولو أن إنسانًا أراد أن يقابل مسؤولًا كبيرًا، ألا يختار أحسن ملابسه ويتنظف ويتفقد نفسه، فما بالك وهو يقف بين يدي العزيز الجبار! بين يدي مَن لا تخفى عليه خافية! بين يدي من يعلم السِّرَّ وأخفى! بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور!

فالأولى في حقِّ المسلم إذا كان يهتم بالناس، أن يهتم بربِّه من باب أولى، بأن يكون على أحسن حال وهو واقف بين يدي اللَّه سبحانه وتعالى، وأن يكون مظهره حسنًا وملبسه حسنًا، ورائحته طيبةً كريمةً، فهذا هو الموقف الذي ينبغي أن يقفه، فالنظافة مطلوبة، وقد أمر اللَّه بها {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُعْنَى بذلك.


(١) أخرجه الترمذي (٢٨١٩)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". وحسنه الألباني في: "مشكاة المصابيح" (٤٣٥٠).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٤١١٨)، عن عبد اللَّه بن أبي أمامة الحارثي، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البذاذة من الإيمان"، قال: البذاذة: القشافة، يعنى: التقشف. وصححه الألباني في: "صحيح الجامع" (٢٨٧٩).
(٣) "البذاذة": رثاثة الهيئة. انظر: "النهاية"، لابن الأثير (١/ ١١٠).
(٤) أخرجه البخاري (٨)، واللفظ له، ومسلم (١٦/ ٢٢)، عن ابن عمر، -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان".

<<  <  ج: ص:  >  >>