للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحنفية تقول: لا تجب الجمعة على مَن هو خارج المصر (١)؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع" (٢).

وسبق أن تكلمنا عن هذا الحديث، وبيَّنا ضعفه، إذن كل هذه الأقوال مبنية على الاجتهاد، ومن هنا كثُرت آراء العلماء فيها، فهم يقولون: هؤلاء صلَّوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكم مسافة هؤلاء؟ بعض أهل العلم يقدِّر العوالي بثلاثة أميال، كالإمام مالك، وبعضهم يقول: أربعة أميال، وبعضهم يقول: جاء أناس من مسافة أبعد هل هي عشرة أميال أو ستة؟ وبعضهم يقف عند حديث: "الجمعة على من سمع النداء" كالشافعية والحنابلة، وبعضهم يقف عند حديث: "الجمعة على مَن آواه الليل إلى أهله"، لكننا نقول: لم يرد عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- نصٌّ قطعيٌّ محدد نقف عنده، ولذلك نقول: الأَولى في حقِّ المسلم إذا سمع نداء الجمعة وهو خارج المصر أن يأتي إليها، هذا كان فيما مضى، كم كان يحتاج الإنسان ليقطع عشرة كيلومترات من المسافة.

أما الآن فقد تيسَّرت وسائل النقل ووسائل الراحة، ولنقف عند السيارة، فالمسافة التي كنتَ تقطعها في يوم تقطعها الآن في دقائق، والتي كنت تقطعها في ساعة ربما تقطعها في دقيقة أو دقيقتين، فبحمد اللَّه يُسِّرت لنا من وسائل النقل ما قرَّب المسافات وخفَّف عنا المشقة، وهي أيضًا إذا استُغلَّتْ في طاعة اللَّه سبحانه وتعالى، فهي عون على طاعة اللَّه عز وجل.

* قوله: (فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ خَارِجَ المِصْرِ (٣)، وَقَوْمٌ قَالُوا: بَلْ تَجِبُ (٤)، وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَمِنْهُمْ مَنْ


(١) انظر: "الهداية"، للمرغيناني (١/ ٨٢)، وفيه قال: "لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر ولا تجوز في القرى" لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع"، والمصر الجامع: كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ولقيم الحدود وهذا عند أبي يوسف رَحَمِهُ اللَّهُ. . . ".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) وهم الأحناف كما سبق.
(٤) وهم الجمهور على اختلاف بينهم في تحديد المسافة، كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>