للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليماكس فيه (١)، فاشتغل بعد ذلك في التجارة، وكان من أكابر التجار إن لم يكن أكبرهم (٢). فالسعي في طلب الرزق مطلوب، لكن لا ينبغي أن يُشغِل هذا الأمر عن طاعة اللَّه، ولذلك قال اللَّه عز وجل في ذكر المساجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧)} [النور: ٣٦، ٣٧]؛ وذلك لأنهم يدركون أن مردَّهم إلى اللَّه، كما في قصة مؤمن آل فرعون، قال تعالى: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: ٤٣].

إذن لا شكَّ أن إشارة المؤلف إلى هذه المسألة في محلها، لكنه أشار إليها، وينبغي أن نقف عندها؛ لأن هذا حكم، وينبغي أن نبيِّنَه، ولا شك أن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة وليست هذه المسألة وحدها، وهنا جاء الأمر بالسعي إلى الجمعة، وجاء النهي عن البيع، والنهي لا لذات البيع؛ لأن البيع مباح، ولا يتعلَّق بالعقد، ولكنه يتعلَّق بأمر مرتبط بالبيع، وهو أن الاشتغال بالبيع وسيلة إلى الانشغال عن الصلاة، فلما كان الاشتغال بالبيع في هذا الوقت الذي نودي فيه إلى صلاة الجمعة -في النداء الثاني- سيشغل عن ذكر اللَّه سبحانه وتعالى، ويعوق المسلم عن الذهاب إلى الخطبة، نُهِي عنه في هذا المقام.

فالنهي لا ينصبُّ على البيع، لكنه ينصبُّ على ما هو وسيلة، فما هي الوسيلة؟ إن هذا البيع لو اشتُغِل فيه لانشغل عن الخطبة، فنهي عنه لأمر آخر مرتبط به، ومن هنا وقع الخلاف بين العلماء، فالعلماء يقولون:


(١) "المكس": الجباية. والمكس الانتقاص وَمِنْه المماكسة؛ لِأَنَّهُ يستنقص صَاحبه بمماكسته ومراجعته. انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين"، للحميدي (ص: ٩٥). ولعله الشارح يقصد به هنا التجارة، وهو معنى بعيد.
(٢) أخرجه البخاري (٣٩٣٧)، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: عبد الرحمن بارك اللَّه لك في أهلك ومالك دلني على السوق،. . . الحديث".

<<  <  ج: ص:  >  >>