للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفف اللَّه سبحانه وتعالى على المسافر كثيرًا من الأحكام، ومنها ما سندرسه إن شاء اللَّه فيما يتعلَّق بصلاة المسافر، فالمسافر يقصر الصلاة الرباعية التي هي صلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة العشاء، أما صلاتا الفجر والمغرب فلا يقصران، وثمة صلوات تقصر، وللمسلم أن يجمع بين الصلاتين، واللَّه سبحانه وتعالى رخَّص له أن يُفطر أيضًا في نهار رمضان، قال اللَّه تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، ويقول سبحانه وتعالى في أحكام الوضوء التي درسناها: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]، فالمسافر أيضًا يمسح ثلاثة أيام بلياليهن (١)، ومن هنا تكلم العلماء عن هذه المسائل، ودققوا البحث فيها عند إحدى القواعد الخمس المشهورة، وهي: "المشقة تجلب التيسير" (٢).

فخفف اللَّه تعالى في السفر عن الإنسان، ولم يكن السفر وحده هو وسيلة التخفيف، فقد استقصى العلماء ذلك وتتبعوه وانتهوا إلى أن للتخفيف أسبابًا سبعةً (٣)، ويعد أول تلك الأسباب السفر، ثم ذكروا


= المشقة وهي مضطربة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فنيطت بالسفر وضبطت به إما بطويلة وقصيرة على الخلاف فيه".
(١) أخرج مسلم (٢٧٦/ ٨٥)، عن شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألناه فقال: "جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم".
(٢) سيأتي.
(٣) انظر: "غمز عيون البصائر" للحموي (١/ ٢٤٥ - ٢٤٨) حيث قال: "القاعدة الرابعة المشقة تجلب التيسير)، والأصل فيها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. . وحديث: "أحب الدين إلى اللَّه تعالى الحنيفية السمحة" قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته. واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة: الأول السفر. . . الثاني: المرض؛ ورخصه كثيرة: التيمم عند الخوف على نفسه. . .، الثالث: الإكراه الرابع: النسيان. . . الخامس: الجهل. . . السادس: العسر وعموم البلوى؛ كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها". وانظرها في: "الأشباه والنظائر"، للسبكي (١/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>