للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحق قد قامت -كما قال العلماء- على أسس ثابتة مستقرة، روعي فيها أحوال الناس وحاجاتهم، فقامت على اليسر ورفع الحرج، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] يذكر اللَّه تعالى ذلك أحيانًا بعد آية الوضوء (١)، وأحيانا بعد الصيام (٢)، إلى غير ذلك (٣).

والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يسروا ولا تعسروا" (٤)، وقال للصحابيين الجليلين أبي موسى ومعاذ عندما ذهبا إلى اليمن: "يسرا ولا تعسرا، وبَشِّرَا ولا تنفرا" (٥).

وما خُيِّر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا (٦)، إذن هذه هي الشريعة، فيها يسر، ورفع للحرج، وعدم تضييق على الناس، وعدم وضع المشقة عليهم، كذلك هذه الشريعة قد قامت على العدل؛ لأن العدل ينافي الظلم، واللَّه سبحانه وتعالى قد حرَّم الظلم على نفسه،


(١) من ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: ٦].
(٢) يقصد قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].
(٣) كقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: ٦٦].
(٤) أخرج البخاري (٦١٢٥)، ومسلم (١٧٣٤/ ٨)، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا".
(٥) أخرج البخاري (٣٠٣٨)، ومسلمٍ (١٧٣٣)، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا".
(٦) أخرج البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧/ ٧٧)، عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "ما خُيِّر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه، فينتقم للَّه بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>