للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحرمه على عباده، قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" (١). واللَّه سبحانه وتعالى يأمر بالعدل، فيقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: ٩٠].

إذن قامت هذه الشريعة على العدل "المقسطون على منابر من نور يوم القيامة" (٢). إذن هي شريعة قامت على التيسير والعدل.

ولا شك أن هذه الشريعة العظيمة، معك -أيها المؤمن- في كل مكان تصحبك في سفرك، فلم تخص بحكمها الحاضر وتنسى المسافر، لكنها عنيت بالمسافر حق العناية، فراعت ظروفه، وأدركت ما هو فيه من وحشة وغربة، فخففت عنه، ولا نقول بأن هذا لا يقع لكل الناس، وبحمد اللَّه قد تكلم العلماء السابقون عن ذلك، وتكلموا عمن ركب سفينة، فقطع فيها مسافة القصر في دقائق أو لحظات أو ساعات، فقالوا: يقصر الصلاة، ومثلها الآن الطائرة، وكذلك السيارة، وكانوا يضربون مثلًا لذلك بالسفن، وبمن ركب حصانًا جوادًا سريعًا، لو قطع المسافة في دقائق معدودة قصر الصلاة؛ لأن هذه نعمة ومنحة من اللَّه تعالى.

وقد أُشكِل على بعض الصحابة أن اللَّه تعالى قد رخَّص للمسافر أن يقصر الصلاة أربع ركعات، فترد إلى ركعتين، فأشكل عليهم ذلك؛ لأن أصل القصر إنما شرع؛ لأجل الخوف؛ لأن المؤمنين كانوا في أول حياتهم في حالة خوف، وهلع؛ لأن أعداءهم يطبقون عليهم من كل مكان (٣).


(١) جُزء من حديث أخرجه مسلم (٢٥٧٧/ ٥٥).
(٢) أخرج مسلم (١٨٢٧/ ١٨)، عن عبد اللَّه بن عمرو قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن المقسطين عند اللَّه على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
(٣) وكانت عائشة ترى ذلك، وأن اللَّه أذن به للمسافر في حال خوفه من عدو يخشى أن يفتنه في صلاته، فقد أخرج الطبري بإسناده عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها كانت تقول في السفر: "أتموا صلاتكم. فقالوا: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في السفر ركعتين؟ فقالت: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في حرب وكان يخاف، هل تخافون أنتم؟ " لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>