للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم ما جاء في غزوة الأحزاب، قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)} [الأحزاب: ١٠]، فكان أعداء المسلمين في كل مكان يتربصون بهم، ويتآمرون عليهم من داخلهم ومن خارجهم، حتى عندما جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة. . .

إذن كان المؤمنون في خوف، فخفف اللَّه عنهم، فلما زال ذلك الخوف بقي الحُكم مستقرًّا (١)، أليس قد أمن الناس؟. عمر قبل يعلى بن أبي أمية، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدقة تصدق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته" (٢). ولا شك أنها صدقة، وهبة منه سبحانه وتعالى وعطف على عباده، فاللَّه سبحانه وتعالى أشد رحمة بعباده من الأُمِّ بولدها.

يخفف اللَّه تعالى على عباده، فعندما شرع لنا العبادات لم يشرعها ليكلفنا؛ فهو ليس بحاجة إلينا، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر: ١٥]، لكنه تعالى شرع هذا ليبتلينا، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] ليعلم الصادق من غيره (٣)؛ ليعلم المخلص من غير المخلص؛ ليعلم مَن يشكر نعم اللَّه تعالى، ومَن يكفرها؛ ليعلم من يتقي اللَّه سبحانه وتعالى؛ فيجعل له من أمره مخرجًا، إذن السفر سبب من أسباب التخفيف، بل وضعه العلماء في قائمة الأسباب فقدموا به.


(١) مما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري (١٠٨٣)، واللفظ له، ومسلم (٦٩٦/ ٢٠)، عن حارثة بن وهب، قال: "صلى بنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- آمن ما كان بمنى ركعتين". قال الحافظ ابن حجر: "وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف". انظر: "فتح الباري" (٢/ ٥٦٤).
(٢) أخرج مسلم (٦٨٦/ ٤)، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب {الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "صدقة تصدق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته".
(٣) قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>