للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث عن صلاة الخوف، وأشكل إذا زال العذر على بعض الصحابة؛ فمنهم مَن سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، كعمر، ثم أشكل على يعلى بن أمية، فسأل عمر عن الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١]، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: عجبت مما عجبت منه، فسألت عن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "صدقة تصدق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا الصدقة" (١).

إذن هي فضل وإحسان وإنعام من اللَّه سبحانه وتعالى، وتخفيف على عباده، وعليهم أن يقبلوا هذه المنحة، وهذه الصدقة وهذه العطية من اللَّه سبحانه وتعالى، فهو في كل أمر متفضل على عباده، وكل ما يأتي العباد من اللَّه سبحانه وتعالى إنما هو فضل منه وإحسان وإكرام لهم.

وقد حقَّق ابن القيم رحمه اللَّه هذه المسألة، وبيَّن أن عائشة ظنَّت، أو ما يقال عن عائشة أنها ظنت أن السبب قد زال، وهو الخوف، فيزول حينئذ القصر، فيبقى الحكم على أصله، وهو الإتمام (٢)، وقلنا أن هذا قول شاذ كما ذكر المؤلف، ولا ننسى أن عائشة نفسها مما روت أحاديث القصر، ومنها الحديث المتفق عليه: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، وأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر" (٣)، وكذلك أيضًا الأحاديث الأخرى التي ستأتي عنها، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقصر وكانت هي تتم، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يفطر، وكانت تصوم (٤).


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (١/ ٤٤٨) وفيه قال: "قيل إن عائشة ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر، فإذا زال الخوف زال سبب القصر، وهذا التأويل غير صحيح، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سافر آمنًا وكان يقصر الصلاة".
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) أخرجه الدارقطني في "السنن" (٣/ ١٦٢)، عن عائشة، قالت: خرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عمرة رمضان، فأفطر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصمت وقصر وأتممت، فقلت: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت، فقال: "أحسنت يا عائشة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>