للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- قد بيَّن أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- سافر إلى مكة، ولم يخرج خائفًا وكان يصلي ركعتين (١)، وفي الحديث الآخر أنه خرج آمنًا (٢)، وخير دليل على ذلك قصة يعلى بن أمية لما جاء إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، فقال: أليس اللَّه سبحانه تعالى يقول: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وقد أذن الناس، فقال عمر -رضي اللَّه عنه- ردًّا عليه: عجبت مما عجبت منه، يعني: هذا الذي وقع في ذهن يعلى وقع أيضًا قبل ذلك في ذهن عمر -رضي اللَّه عنه-، لكنه سارع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ليسأله، فيعرف الحكم فأجاب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "صدقة تصدَّق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا الصدقة" (٣). فالناس إذا تصدقوا لا ينبغي أن يرجعوا، وقد جاء في الحديث: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" (٤).

واللَّه سبحانه وتعالى إذا أعطى عطاءً فهو يعطي سبحانه وتعالى ولا تفنى خزائنه، ولا تقل خزائنه، فإذا أعطى فهذا العطاء صدقة وفضل، وقد جاء في الحديث الآخر: "أن اللَّه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى عزائمه" (٥)، كما أن اللَّه تعالى يحبّ من المؤمن أيضًا أن يأخذ بالأمور التي تصدق عليه بها، والأمور التي أحسن إليه بها، وكذلك الرخص التي رخَّص اللَّه بها، ومنها ما جاء في السفر، فلا يريد من المؤمن أن يخرج عن طاعة اللَّه، ولا يريد من المؤمن أن يتجاوز حدود اللَّه، ولا يريد منه أيضًا أن يتعدَّى حدود اللَّه؛ لأن مَن تعدَّى حدود اللَّه سبحانه وتعالى، فقد ظلم نفسه، ونهاه أن يعتدي، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم، فلا تسألوا عنها" (٦).


(١) تقدَّم من حديث الترمذي.
(٢) تقدَّم من حديث حارثة بن وهب كما في الصحيحين.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) أخرجه البخاري (٢٥٨٩)، ومسلم (١٦٢٢/ ٨)، عن ابن عباس.
(٥) أخرج أحمد في "مسنده" (٥٨٦٦)، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته". وصححه الأرناؤوط.
(٦) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٥/ ٣٢٥)، عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال =

<<  <  ج: ص:  >  >>