للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فاللَّه سبحانه وتعالى سكت عن كثير من الأشياء؛ رحمةً بنا، ولذلك كان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عن أشياء سكت عنها خشية أن تفرض على المؤمنين (١)، ولذلك تحيَّر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أحيانًا في بعض المسائل، يريدون أن يعرفوا حكمها، فيحرجون أن يسألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النهي عن ذلك، فيفرحون ويسعدون إذا جاء أحد الناس من البادية؛ ليسأل عن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢). فانظر إلى آداب الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس ذلك غريبًا عليهم؛ لأنهم أبناء المدرسة المحمدية التي تربوا فيها، فنهلوا منها وتغذوا غذاءً كاملًا، فنقلوه للأجيال بعدهم.

وبهذا نتبين أن هذه الشريعة -كما مرَّ- قد قامت على اليسر، والسماحة، وقد استوعبت كل ما يحتاج إليه الناس، ففيها خصوبة، وفيها استغراق لكل ما يجِدُّ من حوادث، وما يقع من نوازل، وما يتجدد من وقائع.

هناك أحكام عدَّة نجد أن اللَّه سبحانه وتعالى قد رخَّص فيها لعباده لسبب من الأسباب، فزالت تلك الأسباب، ولكن يبقى الحكم مستقرًّا، ومن تتبع أحكام الشريعة يجد أمثلة عدة لذلك.

ويمكن أن نجمع بين قولي عائشة؛ بأن من أعلم الناس بأُمِّ المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها- ابن أختها عروة ابن الزبير، فإنَّه لما رآها روت حديث القصر،


= رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها". وضعفه الألباني في: "مشكاة المصابيح" (١٩٧).
(١) من ذلك ما أخرجه مسلم (١٣٣٧/ ٤١٢)، عن أبي هريرة، قال: خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج، فحجوا"، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا. . . الحديث".
(٢) أخرج مسلم (١٥١١٢)، عن أنس بن مالك، قال: نهينا أن نسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله، ونحن نسمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>