للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا حال كلِّ مؤمن إذا أنعم اللَّه سبحانه وتعالى عليه بنعمة، أو وهبه موهبة؛ من مال أو بنين أو صحة، فعليه أن يقابل هذه النعم التي تتكرر صباح مساء، في كل لحظة من حياته، فهذا النَّفسُ الذي يتكرر في الجسم شهيقًا وزفيرًا (١)، هو نعمة من نعم اللَّه سبحانه وتعالى، وهذه الأرجل التي يمشي عليها، والأيدي التي ينقش بها، والعينان اللتان يبصر بهما واللسان الذي يتكلم به، والشفتان اللتان يحركهما، إلى غير ذلك من الأشياء الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تحصى في جسم الإنسان، وما هو داخله أعظم مما هو خارجه، واللَّه سبحانه وتعالى هو الذي حفظ له هذه الصحة، وأدام عليه هذه النعمة، فكلُّ ذلك يقتضي من العبد أن يشكر اللَّه سبحانه وتعالى.

إذن هي صدقة وفضل من اللَّه، فكان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- دائمًا يسارعُ فيأخذ بالتيسير، ولذلك ما خُيِّر بين أمرين -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (٢)؛ لأن هذه الشريعة ما جاءت لتكلف الناس شططًا (٣)، وما جاءت لتشق عليهم، إنما جاءت بأمور أوجبت عليهم الالتزام بها، وبأمور حضتهم على عملها، وفي مقدمة الأمور التي يجب على المؤمنين أن يفعلوها تحقيق الغاية التي خُلقوا من أجلها، ألا وهي عبادة اللَّه سبحانه وتعالى، وإخلاص العبادة للَّه وحده.

* قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الإِتْمَامَ أَفْضَلُ).

القول بأن الإتمام أفضل رواية للشافعي؛ لأن الشافعية في مذهبهم ثلاثة أقوال:


= رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول اللَّه أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: "يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا".
(١) الشهيق ضد الزفير، فالشهيق رد النفس، والزفير إخراجه. انظر: "العين"، للخليل (٣/ ٣٦١).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) "الشطط": مجاوزة القدر في كل شيء. انظر: "العين"، للخليل (٦/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>