للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآيات -كما هو ظاهر- ذكرت السفر، لكنها أطلقته، فلم تقيده بقدر معين كذلك نجد أن سنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مليئة بالأحاديث التي ورد فيها ذكر السفر، ولم يرد فيها حديث واحد يقيده، ومن ذلك حديث يعلى، وحديث عائشة، وحديث ابن عمر أنه قال: "صحبت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان يصلي في سفره ركعتين، وأنه صحب أبا بكر وعمر فكان كل يصلي ركعتين" (١). وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، وكلها جاء ذكر السفر فيها مطلقًا، فمن هنا ذكر المؤلف في هذا الموضع أهل الظاهر، وهذا هو المشهور في الحقيقة (٢)، لكننا نجد أن من علماء المذاهب مَن انتصر لهذا القول، وقوى دليله، واستدلَّ عليه، ودافع عنه، وبين أن أدلة الشرع تشهد له، حتى ربما تجد من العلماء الذين يخالفون مذهبهم في بعض الآراء من خالف في هذه المسألة (٣).

والعلماء مختلفون في هذه المسألة على مذاهب (٤):

الأول: قول جمهور الأئمة؛ مالك والشافعي وأحمد، وهو أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة هي أربعة برد (٥). والبرد جمع بريد، والبريد أربعة فراسخ، فالمسافة على هذا تبلغ ستة عشر فرسخًا، والفرسخ يساوي ثلاثة أميال، فتصبح مسافة القصر على هذا المذهب ثمانية وأربعين ميلًا، وهي ما يقرب من ثمانين كيلو (٦). ولذلك جاء عن عبد اللَّه بن عباس أنه قال


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) من أن القصر يكون في كل سفر. كما سيأتي.
(٣) أي: ليس هذا القول هو مذهب الظاهرية فقط وإنما انتصر له بعض المحققين في المذاهب الأخرى من أن القصر يكون فيما يطلق عليه اسم السفر من غير تحديد مسافة بعينها.
(٤) ستأتي.
(٥) "البريد": اثنا عشر ميلًا بأميال الطريق، وهي أربعة فراسخ، وأربعة برد ثمانية وأربعون ميلًا.
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: ٧٨).
(٦) أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١٩٦)، عن عطاء، عن ابن عباس أنه سئل: =

<<  <  ج: ص:  >  >>