للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف، ونأخذ بالموضع المتفق عليه، ويريدون بهذا أن يُلْزِموا غيرهم، ولذلك مَن يقرأ نصوص الإمام الشافعي رحمه اللَّه يجد أنه نصَّ في بعض كتبه على أنه مع الأئمة، مع مالك وأحمد، لكنه يفضل القصر في ثلاثة أيام؛ خروجًا من خلاف الحنفية، يعني هذا من باب الاحتياط (١).

وثمَّة فرق -حال إقرارك حكمًا من الأحكام- بين أن تأخذ بالأرجح دليلًا، وبين أن تأخذ بالأحوط، فعندما تأخذ بالأرجح فمعنى هذا أنك تبحث عن أدلة هذه الأقوال ثم تقف عندها وتعرف وجه الدلالة منها، وتنعم النظر في المناقشات الدائرة بين أصحاب الأقوال، ثم تنتهي إلى ترجيح ما ترى أن النصوص أقرب إليه، وقد تأخذ بالأحوط، فلا شك أن أحوط الأقوال هو مذهب الحنفية، هذا هو الأحوط، لكن مذهب الذين يقولون: لا تحديد، في نظري هو أقواها من حيث الدليل.

* قوله: (وَإِنَّ القَصْرَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ سَارَ مِنْ أُفُقٍ إِلَى أُفُقٍ).

يعني: أن الحنفية أجروا شبه استقراء للشريعة، فوجدوا أن الأيام الثلاثة معتبرة، تمسح ثلاثة أيام بلياليهن (٢)، لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم (٣)، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد رخص للمهاجر بعد أداء نسكه أن يبقى ثلاثة أيام (٤)، إذن هذه الأيام الثلاثة معتبره في كثير من الأحكام في الشريعة.


(١) هذا الرأي في كتاب "الأم" للشافعي (١/ ١٨٢)، وفيه قال: "فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلًا بالهاشمي ولا يقصر فيما دونها، وأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطًا".
(٢) تقدَّم تخريج هذا الحديث.
(٣) تقدَّم تخريج هذا الحديث.
(٤) أخرجه مسلم (١٣٥٢) بلفظ: "قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>